تونس | في أسوأ حادثة في تاريخ المؤسسة العسكرية التونسية، قتل 14 عسكرياً، مساء الأربعاء، في هجوم شنّه مسلحّو كتيبة «عقبة بن نافع» التابعة لـ«القاعدة» في جبل الشعانبي (وسط غرب) على الحدود مع الجزائر، ما أدى إلى أفدح خسارة يشهدها الجيش التونسي.
وهاجم الإرهابيون، نقطتي مراقبة للجيش، بالرشاشات والقنابل اليدوية وقذائف الـ«آر بي جي»، التي تدل على تطور نوعي في مستوى الهجمات التي تشنّها هذه المجموعات المتطرفة على الجيش والأمن في تونس، منذ ثلاث سنوات.
كذلك أدى الهجوم إلى سقوط حوالى 20 جريحاً، إضافة إلى جندي مفقود، يُتوقع أن يكون قد اختطفته كتيبة «عقبة بن نافع» التي تبنّت هذا الهجوم على دوريتين للجيش.
وقال القائد المسؤول عن العمليات في جيش البر، العميد سهيل الشمنقي، إن المسلحين، وعددهم بين أربعين وستين عنصراً، تسللوا من خارج الحدود واستهدفوا، عند موعد الإفطار بنحو «متزامن» نقطتَيْ مراقبة تابعتين للجيش في هنشير التلّة في جبل الشعانبي.
وأوضح الشمنقي، في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع قائد أركان جيش البر الجنرال محمد صالح الحامدي، أن خمسة من بين العسكريين القتلى قضوا بالرصاص و9 ماتوا حرقاً، بعدما اشتعلت النيران في خيمتهم التي استهدفها «الإرهابيّون» بقذائف الـ«آر بي جي» والقنابل اليدوية. وأضاف أنه تمّ خلال العملية قتل «إرهابي» تونسي الجنسية.
وأعلن قائد أركان جيش البر الجنرال محمد صالح الحامدي «فقدان» عسكري برتبة جندي متطوع في الهجوم، معتبراً أن من الممكن «أن يكون مختطفاً أو مصاباً أو قد استشهد».
وفي كلمة بثها التلفزيون التونسي، ليلاً، طالب الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، التونسيين بـ «الصبر والتضحية والتعالي عن المطالب».


الإرهابيون هاجموا بقذائف «آر بي جي»،
ما يدل على تطوّر
نوعي في مستوى الهجمات
وقال، إن رسالة الإرهابيين مفهومة ومفادها «لا تتحصلوا على الأمن والاستقرار ولن نترككم تنظموا الانتخابات، وتواصلوا المسار الديموقراطي، والتمسك بالمؤسسات الديموقراطية، ولا نترككم تبنون الديموقراطية وتكونون استثناء في العالم العربي».
ومضى قائلاً «هي رسالة تهديد»، وأضاف «نحن رسالتنا واضحة سنواصل الحياة لن تضربوا المعنويات، وسنواصل النهج الديني الذي ارتأيناه؛ شعب مسلم مالكي المعتدل».
وتابع «سنواصل نمط الحياة الذي يجمع بين الأصالة والحداثة وسنذهب إلى الانتخابات (..)، وسنواصل الدفاع عن الأرض والعرض». كما طالب المرزوقي الشباب التونسي بـ «الالتحاق بالجيش التونسي»، لأن الجيش بحاجة «إلى المدد»، وفق تعبيره.
من جهته، قال وزير الدفاع التونسي غازي الجريبي، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الداخلية لطفي بن جدو، إن من بين الإرهابيين تونسيين وجزائريين تمكنوا بعد العملية من الفرار نحو الحدود الغربية الجزائرية. وأشار الجريبي إلى أنه يجري التنسيق مع الجزائر لتعقّب المجموعة التي تقف وراء مقتل الجنود.
وبحسب الجريبي، فإن العناصر الإرهابية «تستهدف تنفيذ مخططات جهنمية إقليمية»، موضحاً في الوقت ذاته أنها تستهدف «ضرب المنطقة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب». وأكد الجريبي أن تونس تخوض حرباً إقليمية «مدعومة من قوى داخلية وخارجية».
في الإطار ذاته، كشف وزير الداخلية لطفي بن جدو عن إحباط قوات الأمن ست عمليات إرهابية، خلال شهر رمضان، في أنحاء متفرقة من البلاد، من بينها عمليتان تم إحباطهما أمس.
وأشار وزير الداخلية التونسي إلى أن الإرهابيين الذين ألقي القبض عليهم خلال هذا الشهر يصل عددهم إلى حوالى ثلاثين. وأوضح أنهم كانوا يعدّون لعمليات اغتيال وتفجير مؤسسات، إضافة إلى تفجير شاحنتين في إقليم الحرس الوطني في سيدي بوزيد.
وأكد لطفي بن جدو أن وزارته عازمة على تفكيك الشبكات الإرهابية ومن يدعمها ويساندها ويمدّها بالمعلومات.
وشدّد وزيرا الدفاع والداخلية على أن قوات الأمن والجيش تتوقع عمليات أخرى مع اقتراب الانتخابات. ورأيا أن هؤلاء الإرهابيين هدفهم من خلال هذه الهجمات إيقاف المسار الانتقالي وإغراق البلاد في الفوضى.
وخيّمت حالة من الغضب على الشارع التونسي دفعت بعدد كبير من المواطنين الى اقتحام المستشفى الجهوي في القصرين، حيث طالبوا بحرق جثة الإرهابي الوحيد الذي تم القضاء عليه.
ورداً على هذه الجريمة، أدان «الحزب الاشتراكي» وحزب «المسار الديموقراطي الاجتماعي» و«حركة نداء تونس»، في بيانات، مماطلة «المجلس الوطني التأسيسي» في إصدار قانون مكافحة الإرهاب، بعدما كان قد اعترض عدد من النواب على فصل في القانون يجرّم تجارة السلاح ويعتبرها عملاً إرهابياً.
ورأى عدد من الناشطين أن هذا الرفض يعدّ دليلاً على تورّط عدد من السياسيين، وخاصة الذين ينتمون إلى أحزاب الترويكا، في انتشار السلاح وتنامي شبكات التهريب، عبر سياسة غض الطرف والتخفيف من خطورة التجاوزات في عهد الترويكا.
ودعت الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات النقابية إلى مسيرات شعبية سلمية في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة وأمام المجلس التأسيسي في ضاحية باردو. وفي سياق ذلك، دعت أحزاب «الجمهوري» و«المسار الديموقراطي الاجتماعي» و«الجبهة الشعبية» إلى مسيرات مشتركة، بدأت منذ أمس، في حين دعت حركة «النهضة» إلى مسيرة للتنديد بالإرهاب، ظهر اليوم، بعد صلاة الجمعة. من جهته، دعا «الاتحاد العام التونسي للشغل» أيضاً إلى مسيرة شعبية يوم غد السبت.
وفي ردود الفعل الدولية، أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين باسكي عن «إدانة بلادها الهجوم الإرهابي الذي وقع في جبل الشعانبي في تونس وتسبّب في مقتل 14 جندياً وإصابة 20 آخرين بجروح مختلفة».
وأكدت باسكي، في تصريح لها، «استمرار بلادها في دعم جهود الحكومة التونسية في مكافحة خطر الإرهاب».