«جبهة النصرة» في سباق مع الزمن. من الحدود التركية شمالاً إلى الحدود الأردنية جنوباً، ينخرط قادتها في نشاط مكثف على مختلف الصعد، وعلى وجه الخصوص «الشرعية» والعسكرية. فيما بدأ موالوها الترويج لظهور إعلامي قريب لزعيمها أبو محمد الجولاني، يُقال إنه سيكون «ظهوراً علنيّاً، ودون لثام». تحركات «النصرة» تصبّ في خانة «إمارة الشام»، التي يُرجح مصدر «جهادي» أن «يتمّ إعلانها في وقت قريب».
ويؤكد المصدر لـ«الأخبار» أنّ «موعد إعلان الإمارة سيكون على الأرجح في أول أيام عيد الفطر»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «مفاجأة تتعلق بشكل الإمارة وطريقة إدارة شؤون المسلمين فيها». لا تفاصيل واضحة في هذا الشأن. الثابتُ أن الجولاني لن يُقدم على هذه الخطوة منفرداً، بل بتنسيق مع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري و«العملاء الربانيين». ويحرص زعيم «النصرة» على الإفادة من «ثقل جهادي» لا يزال الظواهري يتمتعُ به. ومن خلاله، على المكانة التي يحظى بها «أمير المؤمنين» الملّا عمر. ويرجح مصدر «جهادي» آخر أن «تأخذ الإمارة المرتقبة شكل اتحاد لكتائب عدة تطبق الشريعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها». ووفقاً للمصدر، فإن «الجولاني سيكون أميراً على رأس مجلس شرعيّ، أعضاؤه لا ينتمون إلى النصرة فحسب». وفي هذا السياق، يذكر المصدر أسماء بعض المجموعات «المبايعة للقاعدة» سرّاً وعلناً، ومنها «الكتيبة الخضراء»، «جند الأقصى»، و«شام الإسلام». ويشير إلى «جهود حثيثة يقوم بها الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، لإيجاد صيغة توافقية تضمن عدم دخول الإمارة في صدامات مع الجبهة الإسلامية مستقبلاً».

«النصرة» و«الإسلامية» إلى أين؟

الحفاظ على علاقات ودية بين «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» يُعتبر أحد أبرز التحديات أمامهما. تحالف وطيد سبق أن جمع «النصرة» مع مكونات «الإسلامية» قبل تشكيل الأخيرة واستمرّ بعده. فتشاطرتا الانتصارات والهزائم على مختلف الجبهات. تُسهم في ذلك عوامل عدّة، على رأسها «رغبة الجهات الداعمة»، وفقاً لتأكيدات مصادر «جهادية» عدّة. لكنّ اعتزام الجولاني الإعلان عن «إمارة الشام» أثار تكهنات حول مستقبل العلاقة مع «الإسلامية»، ولا سيّما أنّ «النصرة» استبقت تسريب خطاب زعيمها بإعلان الانسحاب من «الهيئة الشرعية» في حلب. ويبدو أن تغييراً حدث وراء الكواليس، أفضى إلى رجوعها أمس عن القرار، ولو بشكل جزئي، لتعلن «استمرارها في المكتب القضائيّ في الهيئة الشرعية بحلب لحين الانتهاء من القضايا الموكلة إليها، حفاظاً على مصالح المسلمين». وبدا لافتاً أن هذا الإعلان تزامن مع آخر مفادُه أن «الجبهتين» تتشاركان في «شن حملة أمنية كبيرة ضد المهربين، وقطاع الطرق في قرى جسر الشغور في ريف إدلب». رغم ذلك، لا يمكن الركون إلى «متانة التحالف»، ولا التكهن بما سيفضي إليه الإعلان المرتقب لـ«الإمارة». ويجدر في هذا السياق التذكير بأنّ «الجبهة الإسلامية» سبق أن تضامنت مع «الدولة الإسلامية في العراق والشام» حين شنّ الأخير حربه على «لواء عاصفة الشمال» تحت عنوان «حرب المفسدين». لكنّ ذلك لم يحُل بين الطرفين، وبين الانخراط في «حرب أهلية جهادية» دامية، مستمرة حتى اليوم.

الجولاني والقحطاني... تكامل أم تحامل؟

على نحو مماثل، تثار أسئلة وتكهنات حول مستجدات العلاقة بين الجولاني وأبو ماريا القحطاني (العراقي ميسرة الجبوري)، وهو «الشرعي العام للنصرة»، ورجلها الثاني. يتناقل «الجهاديون» روايتين متضاربتين في هذا السياق. تتحدث الأولى عن خلاف حاد بين الرجلين. وسبق أن زعم أصحاب هذه الرواية أن «القحطاني يضع الجولاني قيد الإقامة الجبرية»، وذهب بعضهم أبعد من ذلك، مؤكدين أنه قتلَه. لكنّ ظهور الجولاني أخيراً في ريف حلب دحض هذه المزاعم، من دون أن يعني انتفاء وجود خلاف بينهما. أصحاب هذه الرواية قدّموا «أدلة» كثيرة على صحّتها، أحدثُها جاء قبل تسريب خطاب الجولاني الأخير بيومين، حيث قال القحطاني عبر حسابه على «تويتر» إن «هوس إقامة الدول والخلافة الوهمية لم ينته فقط على هذه الحال، بل ربما سيظهر خلفاء جدد غير البغدادي، وسبب ذلك غياب البيان والصدع بالحق»، الأمر الذي يرى أصحاب هذه الرواية أنه جاء استباقاً لإعلان الجولاني «إمارته».


يحرص زعيم
«النصرة» على الإفادة من «ثقل جهادي» لا يزال الظواهري يتمتعُ به

تسخر الرواية الثانية من الأولى، مؤكدة تلاحم الرجلين والتنسيق الكامل بينهما. وفي هذا السياق، يؤكد مصدر من «النصرة» أن «الأخوّة الجهادية التي تجمع الشيخين لم تتأثّر في وقت من الأوقات». يُدلل المصدر على كلامه بحديث الجولاني عن التحاق «مجاهدي درعا» بـ«مجاهدي الشمال». ويؤكد أن «توجه الشيخ القحطاني والشيخ أبو حسن الكويتي (الشرعي الثاني في النصرة) إلى درعا كان بالاتفاق مع الشيخ الفاتح».

ترتيبات ميدانية

«النصرة» بدأت منذ حوالى أسبوع اتخاذ الإجراءات الميدانية اللازمة لـ«إعلان الإمارة». فوفقاً لـ«أدبيات القاعدة»، ثمة شروط لا بدّ من توافرها قبل القيام بإعلان مماثل، وعلى رأسها «التغلّب على بقعة جغرافية واضحة». اللافت أن «النصرة» سارت على خُطى غريمها تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي كان قد مهّد لبسط نفوذه على مناطق في ريف حلب بإعلان «الحرب على المفسدين». وهو الأمر الذي أعلنته «النصرة» أخيراً. وبدا لافتاً أنها اختارت بعض المناطق الحدودية مع تركيا (في ريفي حلب وإدلب) ميداناً لهذه الحرب. وعلى غرار تحركها في ريف حلب الشمالي، عملت «الجبهة» في ريف إدلب الغربي، لتداهم أمس قرية الزنبقي (تابعة لجسر الشغور)، والتي كانت خاضعة لسيطرة «لواء ذئاب الغاب (جبهة العز)» التابع لـ«جبهة ثوار سوريا». وقد سيطرت عليها «النصرة» بعد اشتباكات عنيفة، كما هاجمت حواجز لـ «لواء شهداء دركوش» في القرية ذاتها. وخلال الأسبوع الأخير، قامت «النصرة» بعدد من الإجراءات المماثلة: منطقة الجبل الوسطاني (ريف جسر الشغور الشرقي) شهدت مهاجمة كلّ من الدغالي، ومريمين، والبيلعة، والضهر، والبحوث، ودركوش، وحمام الشيخ عيسى. وكانت تنتشر فيها حواجز تابعة لـ«لواء الرائد»، و«لواء شهداء الجبل الوسطاني»، و«لواء أحرار الزاوية»، و«حركة تجمع شباب الثورة». وفي السياق ذاته، يمكن إدراج عمليات «النصرة» الأخيرة ضد مواقع الجيش السوري في بعض مناطق ريف حماه الشمالي (المتاخم لريف إدلب).

... وأخرى «شرعيّة»

في الوقت نفسه، باشرت «النصرة» تطبيق الإجراءات «الشرعية» التي بشّر بها الجولاني خلال التسجيل المسرّب. فتمّ الإعلان أخيراً عن إحداث «المحكمة الإسلاميّة في أعزاز». واختيرَ شعيب المصري «قاضياً» لها (كان مشهوراً باسم أبو شعيب المصري، وشغل منصب قاضي تنظيم الدولة الإسلامية، ونائب الوالي في حمص، قبل أن ينشقّ عن التنظيم). «المحكمة» كانت خطوة أولى، وستتكفل بـ«الحكم بما أنزل الله وإقامة الحدود». فيما يتم التجهيز لافتتاح «معهد إعداد قُضاة الشام» في المدينة ذاتها، وبإشراف المصري. وبالتزامن، يُشرف الأخير على «تأسيس بيت مال المسلمين». وتؤكد مصادر «النصرة» أن «خطوات مطابقة سيتم تنفيذُها قريباً في المناطق المطهرة من الفاسدين في ريف إدلب». اللافت أنّ هذه الخطوات جاءت مطابقة لما أعلنه الجولاني في الخطاب المسرّب، والذي أكد فيه أنه «في غضون أسبوع سيكون هناك محاكم شرعية في المناطق المحررة»، ما يعني أن باقي الإجراءات التي أعلنها في الخطاب ذاته قد تكونُ في طريقها إلى التنفيذ، حيث «سيتم تقسيم الجيوش إلى كتائب وسرايا. سيكون هناك جيش في حلب، وجيش في إدلب (...) إخوانكم في درعا سيلتحقون بكم. والأمر كذلك في الغوطة المحاصرة. سنضع استراتيجية لجمع هذه الإمارات في إمارة واحدة».



«غضّ نظر» تركي

يعيد الإعلان المرتقب لـ«الإمارة» تسليط الضوء على «التماس» المستجد بين «النصرة» وتركيا.
وظهرت قبل أيام مظاهر «غض نظر» تركية تجاه حراك لـ«النصرة» في مخيّم أطمة على الحدود الشمالية، الذي شهد «تظاهرة جهادية»، أقامها «المكتب الدعوي لريف حلب الغربي»، تحت مسمى «ملتقى دعوي» بعنوان: «يا قوم أجيبوا داعي الله». مصدر سوري من داخل المخيم أكّد لـ«الأخبار» أنّ «الهدف الأوضح للملتقى كان تجنيد مقاتلين جدد من ساكني المخيم، لصالح النصرة، وإمارتها الموعودة»، إذ ركّز «الدعاة» على «وجوب تلبية داعي الجهاد لإعلاء صوت الحق وإقامة الشريعة في الشام»، وفقاً للمصدر ذاته.