بعد ثلاث سنوات على الأزمة السورية، يقول تقرير صحافي إسرائيلي في موقع «Ynetnews» نشر في 7 كانون الثاني الماضي، إن إسرائيل باتت المرفأ الرئيسي لمنطقة الخليج العربي بالنسبة إلى البضائع التركية والأوروبية. ويقول التقرير إن منافع إسرائيل الاقتصادية خيالية. فقد قفز عدد الشاحنات التي تعبر بين إسرائيل والأردن سنوياً من 300 إلى عشرة آلاف و589 شاحنة سنوياً، وفقاً لهيئة مطارات إسرائيل.
أما وزارة النقل التركية فأشارت إلى ارتفاع عدد الحاويات المنقولة من تركيا إلى إسرائيل من 17 ألفاً و882 حاوية عام 2010 إلى 77 ألفاً و337 حاوية عام 2013. ولا تذهب كل هذه الحمولات إلى الأردن الموقع على اتفاقية سلام مع إسرائيل، بل تعبر منه إلى العراق والسعودية ومختلف الدول الخليجية. وتخطط إسرائيل لاستثمار 1.7مليار دولار في البنية التحتية لتحسين الطريق التجاري الذي يربط مرفأ حيفا بالأردن، في ظل تأكيد رئيس مكتب شؤون الشرق الأوسط الاقتصادية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، يائيل رافيا، أن دولته «بدأت تلعب دورها التاريخي كبلد عبور وجسر بين القارات». وفي ظل إقفال الأزمة العراقية المستجدة لخطوط النقل بين تركيا والعراق، عجلت إسرائيل مشروع استحداث مرفأ آخر يبعد نحو 80 كلم عن مرفأ حيفا الذي تعمل على توسيعه، لتضمن قدرتها على استقبال مليون ونصف مليون حاوية سنوياً.
انتقلت إسرائيل
من بيع الأراضي
بعد احتلالها إلى
بيع المياه
نفطياً، بحثت الحكومة الإسرائيلية من عدة أشهر عن حل لغازها البحري يأخذ في الاعتبار عدم قبول الشركات المصدرة للغاز بتكبّد تكلفة إنشاء خطوط الإمداد للغاز الإسرائيلي فحسب، ومطالبتها بالتفاهم مع لبنان وقبرص أيضاً ليغدو المشروع مربحاً. ونشطت الدبلوماسية الأميركية في بيروت لهذا الغرض، قبل أن ينجح الرئيس نبيه بري في عرقلته. فما كان من الحكومة الإسرائيلية إلا أن وجدت حلولاً بديلة تستعيض بموجبها عن أنابيب الإمداد المكلفة، عبر صفقتين:
الأولى مع السلطة الفلسطينية، في 5 كانون الثاني 2014، يقضي بتزويد السلطة بنحو 4.75 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي خلال العشرين عاماً المقبلة مقابل 1.2 مليار دولار. واللافت هنا أن السلطة تدفع للإسرائيليين مالاً تعلم أنهم سيموّلون بواسطته آلتهم الحربية لقتل الشعب الفلسطيني وتكريس احتلالهم، بدل أن تستثمر هذه الأموال في استخراج الغاز الفلسطيني في حقل «غزة مارين» وغيره. ويذكر هنا أن رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله سبق له التأكيد ــ قبل توقيع الاتفاقية مع الاحتلال ــ أن السلطة ستكون دولة منتجة ومصدرة للغاز بحلول عام 2017. وبحسب شركة الكهرباء الإسرائيلية، فإن كمية الغاز الموجودة في «غزة مارين» تتجاوز 33 مليار متر مكعب، وتكفي لسد احتياجات الفلسطينيين في الضفة وغزة لمدة 25 عاماً.
الصفقة الثانية التي أبرمتها تل أبيب كانت مع الحكومة الأردنية، في 18 شباط الماضي، وتقضي بنقل الغاز الطبيعي من حقل «تمار» في البحر المتوسط إلى مصانع شركتي «بوتاس» و«برومين» الأردنيتين في البحر الميت، مقابل نصف مليار دولار.
أما الصفقة الثالثة الذي تسعى تل أبيب لتوقيعها فهي مع مصر، حيث لا تزال الصفقة موضع درس في القاهرة لأسباب سياسية. وتقضي الاتفاقية بتصدير 6 مليارات متر من حقل «تمار» نفسه إلى محطة «دمياط» في شمال مصر. وسينتهي العمل بخط الأنابيب الإسرائيلي ــ المصري الذي تبلغ تكلفته نحو 300 مليون دولار عام 2017 في أبعد تقدير. وكان لافتاً أن الشرط الوحيد للحكومة المصرية قبيل توقيع هذا الاتفاق كان «تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصري»، لتنتقل إسرائيل بذلك من دولة تستورد الغاز من مصر إلى دولة تصدر الغاز إلى مصر. أما في شأن المياه، فكما هو معلوم فإن إسرائيل عانت دوماً من شحّ مواردها المائية، ولطالما مثلت المياه خلفية ثابتة في معظم الحروب الإسرائيلية. إلا أن الكيان الصهيوني تحول من احتلال يستولي على مصادر المياه إلى دولة تبيع المياه للفلسطينيين وغيرهم. فمنذ عام 2005 بدأت إسرائيل بتحلية مياه البحر عبر أربع محطات. وتشير التقارير الصحافية الإسرائيلية إلى توفير هذه المحطات 35% من مياه الشرب الإسرائيلية هذا العام، ونحو 40% العام المقبل، لتتضاعف الكمية المكررة نحو سبعين مرة عام 2050. وتستفيد إسرائيل من هذه الوفرة المائية لتطوير قطاعها الزراعي. أما الجديد فهو اتفاق البحرين، الذي وقّعته الحكومة الإسرائيلية مع الأردن والسلطة الفلسطينية، وهو يقضي بمد أنابيب من منطقة العقبة الأردنية في البحر الأحمر إلى البحر الميت، بحجة إنقاذ الأخير من الجفاف الذي تشير بعض الدراسات إلى جفاف مياهه بحلول عام 2050. إلا أن تفاصيل المشروع الذي تبلغ تكلفته 400 مليون دولار وطول كل من أنابيبه الأربعة 180 كيلومتراً، لا علاقة لها بهموم إسرائيل البيئة أبداً. فالحكومة الإسرائيلية تسعى إلى تحلية المياه الأردنية المنقولة لبيعها للأردن والسلطة الفلسطينية من جهة، وتنمية صحراء النقب، عبر توفير مصادر مائية وكهربائية بتكلفة منخفضة، لتكثيف الاستيطان الإسرائيلي فيها من جهة أخرى، مع العلم بأن قضية المياه والحقوق المائية الفلسطينية كانت من أهم الملفات العالقة في مفاوضات الطرفين. واللافت في اتفاقة البحرين أنها تفتقد السقف الزمني، فهي اتفاقية لمدى الحياة.
وعليه انتقلت إسرائيل من بيع الأراضي بعد احتلالها إلى بيع المياه بعد احتلال مصادرها ومصباتها، متّكلة في توسعها الاقتصادي على شراء جيرانها لغازها الطبيعيّ من جهة ووضعهم محطات التكرير في حالة دمياط بتصرفها من جهة أخرى.