أكثر من ستة عقود لم يكن هناك خلاف على قدسية الدم الفلسطيني، ولم يكن هناك من يختلف على أحقية الفلسطيني في الدفاع عن نفسه. الفدائي الفلسطيني كان نوارة العالم... كان يشرف كل عربي، كان قبلة للحرية في أصقاع العالم كافة. كانت فلسطين لسنوات طويلة هي معيار ومقياس الوطنية، وتحديد مدى الانتماء لأي قضية عادلة. زينة مجسم للمسجد الأقصى، هي الفكرة الأولى التي تخطر ببال العربي قبل الفلسطيني لوضعها في البيت. ودعم المقاومة ثابت من الثوابت في غالبية دول الوطن العربي. وعودة للفدائي الذي كان له ما له في وجدان الناس، وبات اليوم مجرد رومانسي حالم لدى كثير من الناس.كان وكان وكان، وأصر على كان، ولسبب بسيط أن فلسطين وقضيتها لم تعد بذاك المعنى القريب من قلوب الناس، واهتمامهم، والفضل للدم العربي المتساقط في غير دولة عربية، فإيمان حجو الفلسطينية ومحمد الدرة الفلسطيني، صارا في أكثر من بلد وبأعداد أكبر..

هذه الأيام تشن إسرائيل حرباً على قطاع غزة، وتقتل من تشاء بفضل طائراتها وصواريخها الدقيقة في الوصول إلى الهدف المحدد، ولكن الوطن العربي غاف على سرير ثوراته التي يفترض أن أحد شعاراتها فلسطين، خصوصاً أن الشارع العربي يتهم الأنظمة العربية بالتقصير مع القضية الفلسطينية وعدم فعل المطلوب واللازم لأجل تحريرها.
والكلام صحيح إلى حد بعيد، ولكن أين شعوب الثورات التي أزالت عتاة الحكم في الوطن العربي، أولئك الذين بقوا على عروشهم عقود. لم تشهد العواصم العربية تظاهرات تثبت مدى الانتماء لإنسان يموت بفعل القذيفة والصاروخ المنطلق من أسلحة العدو التاريخي للأمتين العربية والإسلامية.
الأبشع أن مشاهد القتل في الوطن العربي والدماء والأشلاء، لم تعد تجعل المشهد ذات معنى، ويجرؤ عربي ما على قول خمسة أو ستة أيام من الحرب والقصف الإسرائيلي على غزة، والنتيجة لم تصل لمئتي شهيد، في حين أن سوريا تشيعهم في يوم أو يومين على أبعد حد...
ما أقذر الذي وصلنا إليه، وكأن بي أصدق أن الثورات العربية مؤامرة على فلسطين وشعبها... مؤامرة لإنهاء هذا الوجع في ضمير العالم.
كيف لمعارض لنظام حاكم يتهمه بالتواطئ مع الاحتلال الإسرائيلي، أن يعتبر معركة المقاومة الفلسطينية الحالية مع الاحتلال الإسرائيلي غير ضرورية وكان من الممكن تجنبها لأجل شعب كان يدعم القضية الفلسطينية، كيف لي كفلسطيني أن أكترث بعد اليوم بكل ما يحدث في هذا العالم الذي لم تعد تعنيه فلسطين. فلسطين التي ترقص أمهاتها في زفاف أبنائها وهم عائدون إليها شهداء لأجل الأرض... لا لأجل أشياء باتت تشغل العرب اليوم في العراق وسواها.
فدائي... فدائي...