رام الله | يُواصل 30 معتقَلاً إدارياً في سجون الاحتلال، من كوادر «الجبهة الشعبية» وعناصرها وأنصارها، إضرابهم المفتوح عن الطعام منذ 25 أيلول، احتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري بحقّهم. وحاولت سلطات العدو، قبيل إعلان الإضراب، إفشاله من خلال التواصل مع بعض المعتقَلين من أجل تقديم عرض لهم، لكنّ الأسرى، وفق ما أفادت به لجنتهم في «الشعبية»، تشبّثوا بموقفهم المطالِب بإنهاء تلك السياسة. ويكتسب الإضراب الحالي أهمّية كبيرة، كونه يمثّل خطوة نوعية متقدّمة على الإضرابات الفردية السابقة، التي لجأ إليها العديد من الأسرى الإداريين لمواجهة هذا القانون التعسّفي، والتي بدأ بها القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان، واتّسعت لتشمل العشرات منهم، من دون أن تتجاوز الإطار الفردي. أمّا الإضراب الأحدث، فتنبع أهمّيته من كوْنه جماعياً لأكثر من 30 أسيراً، ومع استمراره قد يجذب إليه العشرات من الأسرى الإداريين الآخرين، في مواجهة يؤمل أن تؤدّي في نهايتها إلى إطاحة القانون المذكور برمّته، إذا ما تَوفّرت سُبل الدعم اللازمة لها، سواءً داخل سجون الاحتلال أو خارجها. وقال الأسرى، قبل خوْضهم الإضراب، في رسالة مُوقَّعة بأسمائهم، إن «خوْض هذه المعركة ضدّ سياسة الاعتقال الإداري، والتي نأمل أن تتدحرج بانضمام كلّ المعتقَلين الإداريين إليها، هي حلقة هامّة في سلسلة النضال لإنهاء هذه الجريمة البشعة»، مضيفين أن «ما يُميّزها أنها تُحمَل على أكتاف مجموعة مناضلين ارتضوا خوضها لإعلاء الصوت ضدّ ظلم الاحتلال، على طريق إنهاء هذه السياسة التعسّفية». وعدّوا هذه المعركة «تجديداً لأخلاقنا الثورية الفلسطينية، التي لم تتمكّن قوى البطش من تحييدها أو انتزاعها، فالإرادة تصنع المستحيل، وبإرادة شعبنا سننتصر»، مؤكدين أن «مطلبنا، هواء نقي، وسماء بلا قضبان، ومساحة حرية، ولقاء عائليّ على مائدة، بينما مطلب الاحتلال سلْخنا عن واقعنا الاجتماعي ودورنا الوطني والإنساني، وتحويلنا إلى رُكام، وبين مطلبنا ومطلبهم تَحسم قوّة الاحتلال بسياسة الاعتقال الإداريّ البغيض». وعادةً ما تلجأ سلطات العدو إلى تفعيل أساليب التنكيل بحقّ الأسرى المُضربين عن الطعام في محاولة منها لكسْر إرادتهم، وهي أساليب تُراوح ما بين اقتحام أقسامهم وقمعهم وعزلهم في زنازين انفرادية، أو تكثيف عمليات نقلهم من خلال «بوسطة» السجون التي تُشبه القبور المتحرّكة، فضلاً عن مصادرة أمتعتهم وملابسهم، وشنّ حملات تفتيش متواصلة ضدّهم، في ما يمثّل كلّه نهجاً خَبِره الأسرى المُضربون جيّداً، وتَعرّضوا له في تجاربهم الاعتقالية السابقة.
تنتهج سلطات الاحتلال سياسة الاعتقال الإداري منذ احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967


وتَلفت الأسيرة المحرَّرة، خالدة جرار، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الإضراب الجماعي ضدّ الاعتقال الإداري ليس الأوّل من نوعه، فقد سبقته محاولة عام 2014 لم تحظَ بتفاعل كبير، وأثّر عليها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لكن ما يميّز الإضراب الحالي خوْضه من قِبَل أسرى أمْضوا سنوات في الاعتقال الإداري، وكونه إضراباً جماعياً وإن اقتصر في البداية على فصيل واحد». وتؤكد جرار أن «الإضراب سوف يتّسع ولن يبقى مقتصراً على 30 أسيراً فقط، وهذا يمكن أن يسلّط الضوء بشكل أكبر على سياسة الاعتقال الإداري المتواصلة، خاصة أن أغلب الأسرى المشاركين في الإضراب يتعرّضون بصورة متكرّرة للاعتقال، حيث لا يمكثون سوى فترات قصيرة خارج السجون حتى تُعيد قوات الاحتلال اعتقالهم»، مشيرة إلى أن «استمرار الاعتقال الإداري واستسهال إصدار أوامره من قِبَل سلطات الاحتلال، أصبح لا يطاق، الأمر الذي استوجب مقاومته ومواجهته». وتُذكّر بأن «الأسرى خاضوا منذ التسعينيات حملات لكسر هذه السياسة التعسّفية، ومرّ النضال ضدّها بمراحل متعدّدة ومتنوعة، والأسرى هم الأساس في هذا النضال، لكنّهم أيضاً بحاجة إلى جهود داعمة سواءً على المستوى الشعبي أو الدولي، بفضْح سياسة الاعتقال التعسّفي واستسهالها، وتعرّض عدد كبير من الفلسطينيين لسنوات طويلة وصلت إلى العشرات لهذا الاعتقال، وبالتالي ثمّة حاجة إلى تكامل الجهود الوطنية، والإضراب محطّة نضالية متواصلة». وتُوضح جرار أن «الفكرة من الإضراب الحالي هي أن تكون البداية أو قرْع الخزان، ومن المرجّح أن تمتدّ وتتّسع دائرتها، وتلتحق أعداد كبيرة من المعتقَلين الإداريين بالإضراب عن الطعام في الفترة المقبلة».
وتنتهج سلطات الاحتلال سياسة الاعتقال الإداري منذ احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، استناداً إلى القوانين العسكرية الإسرائيلية المستمَدّة من قانون الطوارئ الانتدابي لعام 1945. ويرتكز القائد العسكري الإسرائيلي، في غالبية حالات الاعتقال الإداري، على معلومات سرّية ضدّ المعتقَل، يدّعي العدو عدم جواز كشفها حفاظاً على سلامة مصادرها، أو لأن إماطة اللثام عنها قد تفضح أسلوب الحصول عليها، وبالتالي، لا تُوجَّه إلى الأسير أيّ تهمة، كما لا يجري إخضاعه للمحاكمة، ولا يمكن له أو لمحاميه الاطّلاع على أوراق القضيّة. ويمكن، بحسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية، تجديد أمر الاعتقال الإداري مرّات غير محدودة، حيث يتمّ استصدار الأمر لفترة أقصاها ستّة أشهر قابلة للتجديد. وتلجأ قوات الاحتلال، وخاصة في فترات الهَبّات والانتفاضات الشعبية، إلى شنّ عمليات اعتقال واسعة وعشوائية في صفوف الفلسطينيين - تستهدف بالدرجة الأولى الأسرى المحرَّرين - وتحويلهم إلى الاعتقال الإداري، وهو ما شهدته الأراضي الفلسطينية في الأشهر الأخيرة مع تنامي وتيرة المقاومة في الضفة، في ما يبدو أشبه بالعقاب الجماعي لترهيب الفلسطينيين ومنعهم من الانخراط في أيّ عمل مقاوم.
وبحسب إحصائيات مؤسّسات الأسرى، فقد أصدرت قوات الاحتلال منذ عام 1967، ما يزيد عن 50,000 أمر اعتقال إداري، 24 ألفاً منها صدرت ما بين عامَي 2000 و2014. وفي ما يجلّي ارتباط هذه الاعتقالات بتنامي الحالة النضالية، فقد وصل عدد المعتقَلين إدارياً أثناء انتفاضة الحجارة، وتحديداً في عام 1989، إلى ما يزيد على 1700، وفي عام 2003 إبّان انتفاضة الأقصى إلى 1,140. وتجاوَز عدد هؤلاء في الوقت الراهن 780، بينهم 6 قاصرين على الأقلّ وأسيرتان، ويقبع أكبر عدد منهم في سجنَي النقب وعوفر، وهذه النسبة هي الأعلى منذ الهَبّة الشعبية عام 2015، حيث أصدرت سلطات الاحتلال ما بين العام المذكور والسنة الجارية ما يزيد عن 9500 أمر اعتقال إداري، نحو 1365 منها منذ بداية 2022 فقط، فيما أعلى نسبة سُجّلت في شهر آب الماضي بـ272 حالة. ومن خلال الأرقام أعلاه، يتبيّن اعتماد سلطات الاحتلال على الاعتقالات العشوائية وسياسة الاعتقال الإداري كأداة لمواجهة الهَبّات الشعبية والنضالية، بينما استطاع الأسرى تحويل الإضرابات الفردية إلى حالة نضالية مستمرّة ومتنامية لكسر هذه السياسة، إذ نفّذوا، منذ أواخر عام 2011 حتى نهاية العام الجاري، ما يزيد عن 400 إضراب فردي، جلّها ضدّ الاعتقال الإداري، علماً أن ما يزيد عن 80% من المعتقَلين الإداريين هم أسرى سابقون تعرّضوا لهذا الاعتقال مرّات عديدة، ومن بينهم كبار في السنّ ومرضى وأطفال.