تعاقب ثلاثة رؤساء على مقعد القصر الجمهوري في مصر، وفي ولاياتهم توالت حروب إسرائيلية ثلاث على قطاع غزة في غضون خمسة أعوام مضت. كان لكل منهم سياسته الخاصة في التعامل مع القطاع الذي بدأت حركة «حماس» إدارة شؤونه قبل تنحي حسني مبارك. لكن سياسة أي منهم لم تتعدّ تجاوز التعاطي مع غزة خارج المنظور الأمني، مع الإشارة إلى أن «حماس» لا تزال تدير شؤون غزة شرطياً وعسكرياً، فيما ألقت حمل المهمات المدنية على حكومة التوافق بعد الاتفاق مع «فتح» في نيسان الماضي.
من أجل قياس التعامل المصري مع غزة، وخاصة في حالات الحرب، يمكن تركيز الضوء على بوابة معبر رفح التي كانت مغلقة في عهد مبارك، وما لبثت أن أعطيت بعض التسهيلات في زمن محمد مرسي، لكنها عادت إلى أسوأ حال قبل ومع تولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة.
من نافلة القول التذكير بما يمثله هذا المعبر للغزيين بصورة عامة، ولكن الحرب كانت تستدعي حالة خاصة أجبرت مبارك خلال عملية «الرصاص المصبوب» في 2008/2009 على فتح المعبر أمام عدد الشهداء والجرحى الضخم (1400 شهيد وآلاف الجرحى). واستمر فتح المعبر في ذلك الوقت طوال الحرب التي امتدت إلى 22 يوماً جرى خلالها نقل مئات الجرحى إلى المستشفيات المصرية، وخاصة التابعة للجيش المصري.

تأخرت «مصر
السيسي» هذه المرة
في فتح المعبر
واكتفت بـ8 ساعات


ويتذكر الجريح نضال عميرة كيف سمحت السلطات المصرية بدخول الإسعافات مباشرة في ذلك اليوم، وكيف فتحت مستشفيات العريش والقاهرة لاستقبالهم باشتراط اصطحاب البطاقة الشخصية، كحد أدنى، إن لم يكن المصاب يحمل جواز سفر. ويقول عميرة وهو في منتصف العقد الثالث: «إثر إصابتي بشظايا متفرقة في جسدي سببت قطع أوصالي، قرر الأطباء في غزة تحويلي إلى مصر»، مضيفاً لـ«الأخبار»: «هناك تكفلوا بعلاجي حتى تعافيت وعدت».
أما في الحرب الثانية، تشرين الثاني 2012، فكان شتاء القطاع أكثر دفئاً مع تقلد الرئيس الإخواني مقاليد الحكم لأن «حماس» ترتبط ارتباطاً أيديولوجياً بجماعة الإخوان المسلمين، وقد حظي موقف مرسي آنذاك بإعجاب الفلسطينيين، على ضوء تصريحاته وإرساله رئيس وزرائه، هشام قنديل، بصحبة شاحنات طبية للتضامن. وأعلنت السلطات المصرية في تلك الأيام رفع درجة الاستعداد وتجهيز سيارات الإسعاف شمال سيناء لنقل الجرحى الفلسطينيين إلى مستشفى العريش، إضافة إلى إلغاء إجازة العاملين في المعبر ليستمر العمل على مدار الساعة.
عن تلك الحرب، يوضح الأربعيني أبو علي النحال أنه غادر برفقة عدد من الجرحى الآخرين من أفراد أسرته الذين استهدفهم الطيران وهم جلوس قبالة شواطئ مخيم الشاطئ غرب غزة، إلى القاهرة لتلقي العلاج. وقال النحال لـ«الأخبار» إنه ظل بعدها يتردد على المستشفيات المصرية لإجراء الفحوص من أجل التعرف إلى مستقبل جرحه بعد بتر أجزاء من أمعائه. وتابع: «عاملتنا السلطات المصرية معاملة طيبة في زمن مرسي، حتى إن وفوداً رسمية كانت تعودنا في غرف العناية للاطمئنان علينا».
هاتان الحقبتان وإن اختلف رئيساهما في الرؤية المتعلقة بـ«حماس»، فقد جمع بينهما الحس الإنساني تجاه ضحايا العدوان في ظل ضغط شعبي مصري واضح لفتح المعبر بصورة كاملة .
ورغم شهادة هذين المصابين وغيرهما، فإن مصابين آخرين نقلوا لـ«الأخبار» شهادات تفيد بأن المخابرات المصرية كانت تضع بجانب أسرتهم مرضى مصريين ظهر لهم من أسئلتهم أنها استخبارية وتريد جمع معلومات منهم، وخاصة مصابي الفصائل، عن المقاومة وأماكن إطلاق الصواريخ. لكن وكيل وزارة الداخلية والأمن الوطني في الحكومة السابقة، في غزة، كامل ماضي، نفى وجود معلومات دقيقة عن هذه القضية. وقال ماضي لـ«الأخبار»: «لا يمكننا تأكيد أو نفي هذه الشهادات دون الاستماع إلى رواية الجرحى الذين جرى نقلهم إلى القاهرة وحدث معهم مثل هذا الاستطلاع أو حتى الاستجواب المباشر»، مشدداً على ضرورة مراعاة الجانب المصري الحالات الإنسانية وتسهيل حركة المسافرين.
المفارقة في الوضع الحالي أن غزة عاشت حصاراً غير مسبوق بعدما أصدر السيسي أوامره إلى الجيش المصري بتدمير كل الأنفاق التي حفرها الفلسطينيون لإدخال البضائع، ثم إحكام السلطات القائمة على الحدود سيطرتها الكلية لمنع ورود أي شيء إلى غزة، كذلك وصل التشديد إلى إغلاق معبر رفح. ومع التهاب جذوة الحرب في غزة، تفتحت العيون مجدداً نحو المعبر الذي كان موصداً منذ أكثر من شهر، وذلك لنقل الحالات الحرجة من مصابي العدوان، ولكن ذلك لم يجر مباشرة، بل بعد ثلاثة أيام من بداية الحرب. الجانب الآخر أن آلية فتح المعبر هذه المرة كانت جزئية وشابها كثير من التعقيد، لأن المسموح هو دخول ست سيارات إسعاف تحمل جرحى فقط، بالإضافة إلى أربع حافلات تقل مواطنين من حملة الجنسيات الأجنبية والمصرية.
وسرعان ما مضى على فتح المعبر نحو ثماني ساعات، حتى أعادت السلطات المصرية إغلاقه، كما أفاد لـ«الأخبار» المتحدث باسم وزارة الداخلية (الحكومة السابقة) في غزة، إياد البزم، الذي عبر عن أسفه لإغلاق المعبر بعد أن أعدت وزارته حافلات المسافرين وسيارات الإسعاف للمغادرة. وشدد البزم على ضرورة إعادة فتح المعبر استجابة للحالات الحرجة والظروف الإنسانية الصعبة، واصفاً الإغلاق في هذا التوقيت بأنه «استهزاء واستخفاف بمعاناة الفلسطينيين».
كل هذا يعني أن السيسي لا يزال يبقي على العداء ضد «حماس» ولم ينحّ الخلافات جانباً رغم الدم النازف في غزة.