غزة | في ذروة حصار قطاع غزة عام 2011، خرجت شهادات من صيّادين فلسطينيين قرب شاطئ المنطقة الوسطى قبالة مخيم النصيرات، عن وجود فقاعات هواء تَخرج من البحر على مسافة تبعد قرابة 300 متر من الشاطئ. آنذاك، لم يُعِر أحدٌ الموضوع اهتماماً، كما لم يفكّر أحد في أن ما يَخرج من البحر هو غاز طبيعي، إلى أن قرّرت الشرطة البحرية في القطاع فحْص المنطقة التي تحدّث عنها الصيادون، بإرسالها مجموعة من الغوّاصين الذين تأكّدوا من صحّة تلك الادّعاءات. وهكذا، بدأت قصة «حقل النصيرات». استطاع عناصر الشرطة، بمعدّات بدائية، سحب عيّنات من الفقاعات المختلطة بالماء، ثمّ مرّرا عليها - في اختبار أوّلي - شعلة من النار، فاشتعلت. وعلى إثر ذلك، عُرضت العيّنة على مختصّين، وجرى فحصها في مختبرات «الجامعة الإسلامية» في غزة، ليتبيّن أنها تحوي غازاً طبيعياً، وهو الأمر الذي وُضع على طاولة الحكومة الفلسطينية التي كان يرأسها حينها إسماعيل هنية، بالتزامن مع طرح موضوع استخراج الغاز على المجلس التشريعي في غزة.بدأت تَحرّكات الحكومة تجاه ملفّ الغاز، بقرار يقضي بالموافقة على استخراجه من الحقل المكتشَف، بعد إجراء الدراسات والاستشارات اللازمة بخصوصه. وقد تواصلت جهات حكومية مع شركات روسية للحصول على هذه الاستشارات، ليتبيّن، وفق دراسات تلك الشركات، أن الغاز موجود على عمق 600 متر، وأن الكمّية المتوقّعة داخل هذا الحقل تفوق 60 مليار متر مكعبّ، وهو ما يكفي حاجة غزة ويفيض عنها للتصدير إلى الخارج. كذلك، أجرت الحكومة اتّصالات مع جهات الاختصاص في قطر باعتبارها ذات خبرة واسعة، إلّا أنها لم تحصل منها على أكثر من وعود بتسهيلات وخبرات تساعد في استخراج الغاز. وبعد فشل الحكومة في نيْل أيّ مساعدة خارجية، قرّرت تكليف شركة محلّية بدء الاستخراج بالأدوات المتوافرة، ومن بينها حفّار قديم كانت استقدمته السلطة الفلسطينية في وقت سابق (عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات) للتنقيب عن الغاز، وأجرت عليه سلطات غزة إصلاحات، قبل أن تبدأ عملية الحفر بواسطته.
خلال عام واحد، وصلت هذه العملية إلى عمق 108 أمتار، أي أنه أُنجز قرابة 20% منها، في حين تعرّضت المعدّات غير مرّة لاستهداف إسرائيلي بهدف إيقاف الحفر. ومع استمرار العمل، وجدت الشركة المحلّية نفسها أمام معضلة عدم قدرتها على معالجة الغاز بعد استخراجه، أو حتى امتلاك الأدوات اللازمة لاستخراجه في حال وَصل الحفر إلى المكان المطلوب. وفي الوقت نفسه، كان الملفّ يشهد، خصوصاً منذ عام 2014، تصاعداً في الضغوط والتهديدات من قِبَل المصريين والإسرائيليين الذين هدّدوا بقصف «حقل النصيرات». وتَرافقت هذه التهديدات من اشتداد الأزمة المالية لحكومة غزة، وهدم السلطات المصرية الأنفاق الواقعة على طول حدود جنوب القطاع، والتي كان يتمّ من خلالها تهريب بعض المعدّات اللازمة للعمل. وعلى رغم أن حركة «حماس» أعلنت، في العام المذكور نفسه، أن شركة تنقيب أسترالية عرضت على حكومة غزة التعاون في مجال التنقيب عن الغاز، إلّا أن حالة الحصار المطبق على القطاع، وعجز الشركة عن الوصول إليه، أجهضا هذه المحاولة مبكراً.