مضى الاستحقاق الانتخابي السوري في موعده المحدَّد، من دون أحداث أمنية تُذكر، على رغم إجرائه للمرّة الأولى في مناطق خرجت خلال السنوات الأخيرة من دائرة المعارك، كأرياف إدلب، ومحافظة درعا التي لم يستتبَّ الأمن فيها بالشكل المطلوب بعد، ما استدعى نقل بعض المراكز الانتخابية إلى مركز مدينة درعا كمزيريب وتل شهاب وغيرهما. وتوالت إعلانات رؤساء اللجان القضائية عن عدم تسجيل أيّ اعتراضات أو تجاوزات جوهرية، بينما كان العديد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ينشرون صوراً من داخل المراكز، تُظهر وجود أعلام للحزب الحاكم، أو قوائم له، داخل الغرف السرّية ومراكز الاقتراع في دمشق وحمص واللاذقية وغيرها من المدن التي بدت متشابهة لناحية ضعف الزخم الانتخابي. وعلى رغم «الحوافز» التي أريدَ منها جعْل هذا الاستحقاق مغايراً لِما سبقه، إلّا أنها لم تكن كافية لخلْق حالة تنافس في غالبية المحافظات، ما أدّى إلى فوز مرشّحين بالتزكية في عشرات المجالس المحلّية. وعلى سبيل المثال، في محافظة إدلب التي تسيطر الحكومة على جزئها الجنوبي، أجريت الانتخابات في 3 دوائر فقط، واقتصرت على مجلس المحافظة، فيما نجحت مجالس المدن فيها بالتزكية. أمّا في درعا، فقد اعتُمدت التزكية في 13 مجلساً، وفي السويداء 18.لكن في المقابل، على مستوى مدينة حلب مثلاً، فقد سُجلت هناك أعلى نسبة تفاعل لناحية الحملات الانتخابية التي سبقت موعد الاقتراع بأسابيع، حيث امتلأت شوارع المدينة بصور مرشّحين خصّصوا مبالغ مالية كبيرة للدعاية لهم على رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، وأغلب هؤلاء من التجّار والميسورين ورجال الأعمال، إضافة إلى بعض الذين تَضاعفت ثرواتهم خلال الحرب، وآخرين من العشائر حجزوا لأنفسهم حصّة وازنة، حيث تشير المعلومات الأوّلية التي حصلت عليها «الأخبار»، إلى نجاح 3 أشخاص من عائلة واحدة على مستوى حلب. وشمل الحضور العشائري والعائلي أيضاً، قوائم «الوحدة الوطنية» التي حافظت على توزيع مقاعدها على قوى محلّية تقليدية في درعا والرقة والحسكة ودير الزور، مع بعض التغييرات المحدودة التي لا تشكّل أيّ تحوّل. كذلك، غاب الحضور الحزبي المعارِض عن هذه الانتخابات، التي لم تشهد مشاركة تُذكر من القوى والبيئات المعارضة على صعيد الترشّح، كما لم يحدث أيّ تواصل جدّي مع «الإدارة الذاتية» شمال شرقي سوريا لإشراكها في العملية، مثلما حدث قبيل انتخابات عام 2018، ولم ينجح الطرفان في الوصول إلى توافق حينها.
لم يحدث أيّ تواصل جدّي مع «الإدارة الذاتية» شمال شرقي سوريا لإشراكها في العملية


وعلى رغم ما تَقدّم، حمَلت الانتخابات متغيّرات على صعيد الخطاب الرسمي السوري، لناحية التركيز على النساء والشباب، حيث استُخدمت جملة «مشاركة جيّدة للنساء والشباب في الترشّح» في مداخلات معظم مراسلي الإعلام الرسمي السوري - الذين لم يقدّموا مع ذلك نسباً مئويّة دقيقة عن هذه المشاركة في معظم الدوائر الانتخابية -، وهذا يعكس محاولة حكومية للتقارب مع التوجّهات الأممية لتعزيز دور النساء في الشأن العام. أيضاً، بدا لافتاً تكرار مصطلحات كثيراً ما غابت عن الإعلام الرسمي كـ«دور المجتمع المدني» في الانتخابات، وعلاقته مع المجالس المحلّية المقبلة والتعاون معها، فيما جرى التركيز على دور الأخيرة على صعيد الخدمات والصلاحيات «الواسعة» الممنوحة لها، وهو ما كبّر آمال المواطنين بتحسّن الواقع الخدمي والإنمائي وحتى الاقتصادي، وصولاً إلى عقْد المصالحات المحلّية لتجاوز آثار الحرب، كما وتأمين موارد مالية لتمويل المشاريع بعيداً من الموازنات الحكومية. واستند ذلك الترويج إلى قانون الإدارة المحلّية رقم 107، والذي منح صلاحيات واسعة للإدارات المحلّية، لكنه لم يوفّر لها الاستقلالية حتى الآن، حيث بقي المحافظ «غير المُنتخَب» أعلى سلطة من رئيس مجلس المحافظة «المنتخَب». وينتقد الداعون إلى تطبيق «اللامركزية الإدارية» بقاء التصريحات الحكومية في هذا الشأن في الإطار النظري، وعدم اختبار القانون 107 على نحو فعلي حتى الآن، وبقاء الصلاحيات الممنوحة للمجالس المحلّية بموجبه حبراً على ورق.
بالنتيجة، نجحت دمشق في البعث برسالة إلى خصومها بأن مؤسّساتها المختلفة قادرة على إنجاز الاستحقاقات في مواعيدها، وتأمين مستلزماتها اللوجستية والأمنية، لكنها لم تغيّر من أدواتها التنفيذية في إنجاز هذه الاستحقاقات. وفي المقابل، أفهمَ المواطنون الحكومة أنهم تعبوا من هذا الواقع، ويريدون تلمّس التغيير، وهو ما ظهر من خلال المشاركة في التصويت أو الترشّح، حيث كانا في الحدود الدنيا.