التصريح العلني الصادر عن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بأن «استقرار الأردن هو مصلحة قومية وحيوية لدولة إسرائيل، وسنفعل كل شيء للحفاظ على استقرار المملكة»، تصريح غير مفاجئ ولم يأت بجديد من خارج التوقعات. إذ يكاد يحتل النظام الأردني مكاناً متقدماً في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وخطر سقوطه يشكل تهديداً مباشر للأمن القومي للدولة العبرية.
تصريح ليبرمان العلني حول المملكة، وما سبقه إليه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بتأكيده ضرورة حفاظ الغرب على استقرار الأردن في وجه التطرف الإسلامي لحماية دول الجوار وإسرائيل، فتح المجال أمام السياسيين والخبراء في الدولة العبرية، للتحدث في التفاصيل. وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية يوفال شتاينتس، أكد أن المساعدة المحتملة للأردن قد تشمل إرسال جنود أو أسلحة نوعية، لافتاً الانتباه إلى أن «لدينا مصلحة في ضمان ألا يسقط الأردن أو يُخترق من قبل جماعات كتنظيم القاعدة أو حماس أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام».
في هذا السياق، كشف محلل الشؤون الاستخبارية والأمنية في صحيفة «معاريف» يوسي ميلمان، عن أوجه تعاون وثيق لم تكن معلنة، أو أقله لم تحظ بإقرار في إسرائيل، حيال كل ما يرتبط بالعلاقات الاستراتيجية الوثيقة، الأمنية والسياسية بين الجانبين، مؤكداً أن الخطر المحدق بالمملكة هو خطر محدق أيضاً بإسرائيل، وبالتالي لا يمكن السماح لـ«الدولة الإسلامية» أو غيره من التنظيمات المتطرفة التابعة لـ«الجهاد العالمي»، بالسيطرة عليها.
وأكد الكاتب أن تل أبيب لن تسمح بتفشي «الخطر الإسلامي» في الأردن، وأنها ستمنع بالقوة العسكرية سيطرة الجهاديين عليه، مشيراً إلى أن «الخطر الإسلامي المتزايد يهدد كل مناطق المملكة، وهو ليس مقلقاً للعائلة الهاشمية وحسب، بل أيضاً يثير القلق لدى إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إذ لطالما كان الأردن حليفاً وفياً، بل وأكثر وفاءً منذ هجمات أيلول عام 2001، والحرب اللاحقة على الإرهاب العالمي»، كاشفاً عن وجود معتقلات في الأراضي الأردنية تابعة للاستخبارات الأميركية «سي اي اي» تسمى السجون السوداء، تحقق مع الإرهابيين بالتعاون مع الاستخبارات الأردنية، لكشف مسبق للهجمات والمخططات الإرهابية.
بناءً على هذه الفائدة وغيرها، شدّد الكاتب على أن إسرائيل، بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة عبر الولايات المتحدة وبريطانيا، هي الضامن المطلق والأساسي للسيادة الأردنية. وأقرّ بأن الاستخبارات الإسرائيلية لعبت دوراً مركزياً ومحورياً في حماية حكام المملكة الهاشمية من المؤامرات الإرهابية، التي حيكت في وجهها على مر السنوات الماضية.
في هذه المرحلة، تثير التطورات الدراماتيكية في العراق قلقاً متزايداً في إسرائيل، حول التداعيات السلبية على المملكة الأردنية، إذ إن الزلزال في بلاد الرافدين يرسل أصداءه إلى المملكة، و«الدولة الإسلامية طامحة لتأسيس خلافة إسلامية مبنية على قيم وعادات القرن السابع، بل نشرت أخيراً خريطة تسعى إلى تحقيقها، تشمل الأردن وإسرائيل».
مع ذلك، أكد الكاتب أن احتلال «الدولة الإسلامية» لثلث العراق وسيطرته على معابر حدودية هامة على الحدود الأردنية العراقية، يدفع الجيش الأردني إلى اتخاذ تدابير استثنائية وإحكام سيطرته على هذه المناطق، مؤكداً أن مخاطر كهذه ليست جديدة على المملكة، إذ «يعرف آل هاشم كيف يتعاملون ويحتوون في ظل التهديدات، بمساعدة من الأصدقاء مثل بريطانيا وأميركا وإسرائيل. ومن هذا المنطلق، فإن هذه الأحداث شبيهة بالأحداث السابقة».
ولفت الكاتب إلى وجود «تقاطع للمصالح» بين الجانبين، والتي جعلت من المملكة حليفاً تاريخياً ومصداقاً للقول المأثور: «عدو عدوي هو صديقي». إذ توجد مصالح مشتركة لمواجهة تأسيس الدولة الفلسطينية والتطرف العربي، الأمر الذي أوجد تعاوناً استخبارياً سرياً وتنسيقاً أمنياً، مع نصائح ومعلومات من الاستخبارات الإسرائيلية، أنقذت حياة الملك الأردني الراحل، حسين بن عبد الله، ولطالما التقى الملك حسين بالقادة الإسرائيليين منذ ستينيات القرن الماضي، من أجل تعاون أمني سري، للحفاظ على الهدوء الأمني على طول الحدود بين الجانبين، ولمحاربة الإرهاب الفلسطيني.

تل أبيب ستمنع
بالقوة العسكرية سيطرة «الخطر
الإسلامي» على الأردن

كذلك لعبت إسرائيل دوراً فاعلاً في حماية الحكم الهاشمي على مر السنوات الماضية، ففي عام 1958 سمحت تل أبيب للطائرات البريطانية المحملة بالجنود بأن تعبر أجواءها للوصول إلى الأردن في مهمة الدفاع عن المملكة في وجه المؤامرة الناصرية لإسقاط الحكم في حينه. ولدى اجتياح الدبابات السورية في أيلول عام 1970 الحدود الشمالية للأردن، حشدت إسرائيل قواتها بتشجيع من الولايات المتحدة، لاجتياح المملكة وصد السوريين، الأمر الذي دفع الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، إلى سحب قواته.
منذ ثمانينيات القرن الماضي، يتابع التقرير الإسرائيلي، وبالتأكيد في أعقاب التوقيع على اتفاقية السلام بين الجانبين عام 1994، يرى القادة والاستراتيجيون الإسرائيليون أن الأردن هو دولة فاصلة ضرورية لأمن إسرائيل، وأن الملك عبد الله بن الحسين هو حليف ثابت.
ومع تقدم القوات الإسلامية السنية المتطرفة، «الدولة الإسلامية» من العراق باتجاه الحدود الأردنية، فإن التشاور والمشورة بين إسرائيل والأردن آخذان بالازدياد، بل و«بالإمكان تصور تدخل إسرائيلي عسكري مباشر، أو على الأقل استخدام سلاح الجو الإسرائيلي للدفاع عن المملكة وعن استقلالها».