السفر عندما يكون حلماً

  • 0
  • ض
  • ض

قبل ثلاثين عاماً، عندما أردت السفر إلى الخارج لاستكمال تعليمي الجامعي، بعد أن أنهيت الثانوية العامة وقتها، استغرق الأمر سنتين في الانتظار، فتصريح السفر وقتها مرهون بموافقة الحكم العسكري، في كل أسبوع وعلى مدار العامين كانت تتم مراجعة الطلب، بانتظار الموافقة، التي كانت هي الأخرى مثلي تنتظر، فالاحتلال في هذه الحالة لديه جواب ثالث، غير الموافقة، أو الرفض، جواب اللاجواب، الطلب ما زال قيد الدرس. وبعد سنتين، تمّت الموافقة، لكنها ليست كافية، فالمرور إلى الأردن وقتها كان يلزمه ورقة عدم الممانعة، حيث كان الشباب الفلسطيني من الضفة وغزة، بحاجة لهذا الإجراء حتى يسمح له بالدخول إلى الأردن. عدم الممانعة كان مشروطاً بوجود عقد عمل خارج الأردن، أو موافقة جامعية، ثلاثة أسابيع من إجراءات عدم الممانعة، لتبدأ رحلة السفر من قريتي مروراً بـ«معبر الكرامة»، انتهاء بعمان. استغرقت الرحلة عشر ساعات لأقطع مسافة لا تتجاوز 100 كلم فقط، محملاً بأوراق ومستندات كثيره، جواز السفر، هوية الاحتلال، تصريح السفر، براءة الذمة الموقعة من قبل كل مؤسسات الاحتلال. ضحكت وقتها لأني تعرّفت على كلمة «مكوس»، وهي ضريبة تفرض على الأملاك غير المنقولة، كالمباني والعقارات وغيرها من الأملاك، شكرت الله وحمدته، أنني لم أكن أمتلك أي شيء باسمي، فربما ضريبة واحدة تنتمي لعالم المكوس، تمنعني من السفر. ومع بدء الرحلة أثناء الوصول إلى الجانب الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال، كان لا بد من التفتيش الجسدي ومن ثم العبور من البوابة الإلكترونية، وصولاً إلى قاعة الانتظار، على الشباك نادتني برقمي، مجندة، فدخول المعبر ينتهي بتحويلك إلى رقم عابر في سيرة احتلالية لا تنتهي، سألتني عن وجهتي في السفر، أشرت لها إلى الأردن، وأخفيت عنها وجهتي الحقيقية والتي كانت دمشق. أكملت إجراءاتها والتحقت بالباص الذي أقلني، على بعد أمتار عبرنا الجسر الخشبي الذي يفصل فلسطين عن الأردن، حيث يعبر نهر الأردن، تذكّرت مقطعاً من أغنية لفيروز، «يا جسراً خشبياً أنا أسميتك جسر العودة». استقبلنا الحاجز الأردني الذي يتأكد من وجود كامل الأوراق، وبخاصة ورقة عدم الممانعة، لنصل بعدها إلى النقطة الحدودية، هناك حصلنا على ورقة إحصاء الجسور الخضراء، التي من دونها لا أستطيع تجديد جواز سفري، حتى أولادي الذين ولدوا في الخارج أورثتهم تلك الورقة، التي بموجبها حصلوا على جوازات سفرهم وأوراقهم الأخرى، وفي كل مرة أتعهد عنهم أنني في أقرب وقت سأحملهم معي في طريق العودة إلى فلسطين، لكي يتأكد الاحتلال من حقيقة وجودهم، ويضمهم لسجلات السكان، ليخضعوا في ما بعد لرحلة القهر على المعابر.

0 تعليق

التعليقات