غزة | أخيراً، تخطّى العروسان محمود وسارة عديد العقبات والتحديات التي اعترضت طريق حبهما، ونجحا مساء السبت الماضي في إتمام مراسم الخطوبة. وكان الشاب محمود قاسم، اللاجئ من بلدة تلحوم قضاء طبريا إلى مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، قد تعرف إلى مخطوبته سارة صبيح خلال نشاطهم في فعاليات المساندة الإلكترونية للمحتوى الفلسطيني في مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يقرّر خطبتها بشكل رسمي من ذويها في غزة.وفي مراسم الخطوبة والزواج، تفرض العادات والتقاليد المجتمعية الغزاوية، أن تتوجّه «جاهة»، وهي وفد من ذوي العريس وكبار المخاتير والشخصيات العائلية، إلى أهل العروس كي تتم مراسم الخطوبة، ولمّا لم يكن لقاسم عائلة في غزة، أوكل مهمة المضي في تلك المراسم لصديقه حسن الداوودي الذي لم يجد طريقة في تأمين تلك الجاهة إلا من خلال منشور عبر صفحته في «فايسبوك» كتب فيه: «الأصدقاء الأعزاء: محمود صديق عزيز من أبناء شعبنا اللاجئ في لبنان، يريد أن يخطب فتاة من غزة وقد قام بتوكيلي بعقد القران بعد أن تواصل مع عائلة العروس وطلبوا منه جاهة خطوبة تنوب في طلبها عن عائلته، فمن يرغب بالحضور في الجاهة، موعدنا يوم السبت مساءً فليتواصل معي فإن كانت عائلة محمود ليست هنا فنحن عائلته».
يقول الداوودي: عائلة قاسم لا تستطيع الخروج من بلد الشتات الذي يسكنوه، كما أن اللاجئين من بلدته التاريخية توجهوا بكلهم إلى لبنان، أي أنه لا يوجد أي أقرباء له في غزة».
ويرى الداوودي أن الحدث تجاوز القيمة الاجتماعية إلى أبعاد وطنية أكثر أهمية، يقول لـ«الأخبار»: أن تتزوج فتاة من غزة شاباً من بلدة في قضاء طبريا، ومقيم في مخيمات الشتات بلبنان هو إعادة لربط جسد الوطن، وتجاوز لكل المسافات والفواصل الجغرافية والنفسية التي أراد الاحتلال جعلها واقعاً... أما القيمة الأخرى فهي الشعور الشعبي بالانتماء إلى مكونات الوطن فضلاً عن النخوة الشعبية التي لم تغيرها ظروف الزمن.
وفي الموعد المحدد، تفاجأ وكيل العريس بحضور العشرات من المواطنين والصحافيين وعلى رأسهم عدد كبير من وجهاء العشائر ومخاتير العائلات الكبيرة. احتشد هؤلاء من محافظات قطاع غزة كافة، وتوجهوا إلى بيت العروس سارة، هناك، افتتح والد حسن وهو وكيل العريس الحاج جمال الداوودي جلسة الجاهة بطلب سارة من ذويها بقوله: «نجتمع لإتمام مراسم خطوبة العريس محمود قاسم من بلدة تلحوم قضاء طبريا واللاجئ في مخيمات لبنان على سارة صبيح بنت مدينة غزة، لقد انتخيتم أهلكم وربعكم في جنوب الوطن، وإن الكريم إن هززته اهتز، سيرتكم العطرة أبناء قاسم أبناء تلحوم قضاء طبريا مليئة بمحطات النضال وقوافل الشهداء... فنحن اليوم أمام محطة الوحدة لأشتات الوطن من تلحوم التاريخية، إلى لبنان وسوريا حيث تستضيف البلدان الشقيقان أهلنا هناك، لذلك هذه الجاهة هي جاهة وطنية أولاً، ثم جاهة طلب الحسب والنسب والمصاهرة، من أهل النخوة وموطن العزة ومن لا يقابلون الكرم إلا بالكرم آل صبيح الكرام، عوداً لحديث المصطفى ترضون دينه وخلقه، فيا محمود أتينا نؤكد خلقك، ونشهد لك بما فيك، فكن لابنة الوطن المحاصر غزة نعم السند والزوج، نرجو قبول طلبنا».
لم يكن من عائلة العروس، إلا أن تعلن بكل حبور قبولها طلب الجاهة، لتتم مراسم الخطوبة.
الكاتب الروائي محمود جودة، وهو أحد المشاركين في جاهة الخطوبة، رأى أن الحدث الذي شارك فيه كان من الممكن أن «نتصور حدوثه في فيلم سينمائي، أمّا أن نعيشه واقعاً فهي لحظة من ذروة مأساتنا المفرحة». وأضاف في حديثه إلى «الأخبار»: «هذا الفعل الشعبي هو قفز عن عجز المستوى الرسمي، حكومات وفصائل، في إعادة الاعتبار لمكون الشتات الفلسطيني كجزء أصيل من الحالة الوطنية، التي تعيش الانتماء لفلسطين، قضية ووطناً بأعلى المستويات».
فيما علّق العشرات من رواد مواقع التواصل الاجتماعي على الحدث، ووصفوه بأنه تجسيد جديد لمعادلة «وحدة الساحات» تلك التي بُذل الدم في سبيلها!