ستبقى مسألة اللاجئين السوريين في تركيا مفتوحة بقوّة للأخذ والردّ والابتزاز، حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في حزيران 2023. وفي خضمّ النقاش المستعر حول هذه المسألة، نقلت زعيمة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، القضيّة إلى مستوى جديد عندما تحدَّت السلطة الحاكمة، بالقول إن «مشكلة اللاجئين ستنتهي بعد ثلاث سنوات، أي في أيلول 2026، في حال وصلت المعارضة إلى الحُكم». وأدلت آقشينير بمواقف مثيرة للجدل في المؤتمر الذي عَقده حزبها تحت عنوان «العودة الحازمة والمنتظمة للاجئين»، معتبرةً أن تركيا أصبحت «حفرة وحوض هجرة»، وتحوّلت بفعل قضيّة اللاجئين إلى «مكبّ نفايات» للأوروبيين. ورأت أنه «إذا حجبْنا هذا الفهم للقضيّة ووجّهْنا اهتمامنا بغيْر هذا الاتجاه، فإنّنا نُوجّه الإهانة الأكبر لبلادنا»، مبديةً استعدادها للقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، لحلّ هذه المشكلة. ووفق آقشينير، فإن الرقم الأدنى المعترَف به لعدد اللاجئين السوريين يبلغ ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ، فيما يرتفع عددهم الكلّي إلى ثمانية ملايين. وعزت الحال التي وصلت إليها بلادها، إلى شخص الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان. في المقابل، دعا رئيس «حزب المستقبل»، أحمد داود أوغلو، إلى حلّ القضيّة بـ«العقل والضمير»، لا بـ«الانفعال والحماسة ولا باستدراج الشعبوية. لذا، يجب إعادة اللاجئين بكلّ كرامة وأمن وطواعية، بعد أن تصبح البنية التحتية في بلادهم مهيّأةً لهذه العودة». وتلقي الصحافة التركية الضوء على جانب آخر من قضيّة اللاجئين، وهو البعد القانوني، وما إذا كان بإمكان تركيا أن تتحرّك بحرّية، ضاربةً عرض الحائط بالضوابط الدولية، وهو ما تعانيه أيضاً الدول الأخرى التي تستقبل اللاجئين السوريين، مثل لبنان والأردن وجزئيّاً العراق. وفي هذا السياق، تقول نيفا أوفينتش أوزتورك، من كلّية الحقوق في جامعة أنقرة، إن «عودة اللاجئين ممكنة، شرط أن تكون طوعيّة، وأن تعرف تركيا بدقّة عدد اللاجئين الموجودين على أرضها»، لكن تحفيز هؤلاء على العودة «لن يكون سهلاً». من جهته، يرى باريش بيرول، نائب رئيس «مركز حقوق اللاجئين والمهاجرين» في نقابة المحامين في إسطنبول، أنه في حال عدم تغيّر الظروف في البلاد التي جاء منها اللاجئون، فلا يمكن إعادتهم قسراً إلى بلادهم، لأن القانون الدولي يحمي حقّهم في عدم العودة، إذا كان تعرُّضهم للخطر قائماً، كما يعترف لهم بحقّ الإقامة المؤقّتة حيث هم الآن. وتفيد أرقام «جمعية اللاجئين» التركية بأن عدد اللاجئين السوريين في تركيا يبلغ 3.652.813 ملايين، يعيش منهم حوالي 48 ألفاً فقط في مخيّمات جاهزة، بعدما كان هذا الرقم ييلغ 228 ألفاً عام 2018، أي حوالي 1.3% من نسبة اللاجئين الكلّية. ويعيش الـ 98% الباقون في المدن، التي تتصدّرها إسطنبول بحوالي 549 ألفاً، وغازي عينتاب بـ 469 ألفاً، فشانلي أورفة بـ 383 ألفاً، فالإسكندرون (هاتاي) بـ 368 ألفاً. ويتكثّف حضور اللاجئين السوريين في مدينة كيليس، حيث يشكّلون 38.5% من تعداد سكّان المدينة، أي 91 ألفاً في مقابل 145 ألفاً، تليها مدينة الإسكندرون حيث يشكّلون 18% من السكان، فيما تعيش النسبة الأقلّ في أرطوين (39 شخصاً).
حتى لو عاد مليون لاجئ سوري، فسيبقى ثلاثة ملايين


ووفقاً لأرقام «مؤسّسة الإحصاء التركي»، يشكّل اللاجئون السوريون 4.14% من سكّان تركيا البالغ 84.680.273 مليوناً. وتشير المؤسسة إلى أن عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية بلغ 212 ألفاً، منهم 120 ألفاً من الراشدين (64 ألف ذكر، و55 ألف أنثى)، و91 ألفاً من الأولاد تحت سنّ الثامنة عشرة، بعدما كان العدد 113 ألفاً في نهاية عام 2019. ويبلغ عدد السوريين الذين لهم الحقّ في الاقتراع في الانتخابات لو جرت الآن، 113 ألفاً. وكانت وزارة الداخلية التركية قد أعلنت، أخيراً، أن السوريين الذين عادوا إلى بلادهم وصل تعدادهم إلى 521.039 ألفاً، أي بزيادة 140 ألفاً فقط عن نهاية عام 2020. وناهز عدد الأطفال الذين ولدوا في تركيا من السوريين حوالي نصف مليون مولود، فيما قارب عدد الشركات التركية التي لها شريك سوري على الأقلّ حوالي 15 ألفاً. ويقول رئيس قسم شؤون الهجرة في جامعة أنقرة، مراد إردوغان، إن أوّل مجموعة من اللاجئين عبرت الحدود إلى تركيا، أتت في 29 نيسان 2011، فيما نسبة الذين يقولون إنهم لا يريدون العودة أصبح نحو 80% من مجموع اللاجئين، لأنهم «راضون عن معيشتهم في تركيا». ولأن عودة الوضع في سوريا إلى طبيعته ليست قريبة، يقول إردوغان إن على تركيا أن تعتاد ظروف بقاء اللاجئين، مضيفاً إن «المشكلة بدأت عندما فهم المواطن التركي أن السوريين لا يريدون العودة، وعندما بدأ الوضع الاقتصادي في الانهيار، والحكومة لم تأخذ على محمل الجدّ شكاوى المواطنين». ويرى أنه «حتى لو اتّخذت الحكومة قراراً بترحيل السوريين، فإن تنفيذه ليس بهذه السهولة. إذ إنّ 90% من الأتراك على اقتناع بأن اللاجئين لن يعودوا إلى بلادهم. المعارضة تستفيد من شكاوى الشارع التركي، أمّا الحكومة فليست في وارد ترحيلهم ما لم تتغيّر السلطة القائمة في سوريا. كما أن هناك أكثر من 750 ألف طالب سوري في المدارس التركية، ومِثلهم قد وُلدوا في البلاد، ونصف الأشخاص القادرين على العمل من اللاجئين السوريين يعملون، وهذا كلّه يقلّل من نسبة الذين يرغبون في العودة». أصل المشكلة، بحسب إردوغان، «هو في حال بقاء السوريين، فكيف يمكن حينها مراقبتهم؟ حتى لو عاد مليون منهم، فسيبقى ثلاثة ملايين، ما الذي سنفعله بهم؟ الخطر الأساسي هنا، وهو ما لا تأخذه الحكومة على محمل الجدّ».