حلب | في غرفة متواضعة في مقر عسكري وسط مدينة حلب، يطالع قائد ميداني التقارير الأمنية والعسكرية. لا وقت لديه لمتابعة القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يتناهى إليه بعض ما يرد فيها من نداءات استغاثة للمسلحين واعتراف بالهزيمة حيناً، وأخبار كاذبة وانتصارات وهمية حيناً آخر.
«نحن لا نعرف سوى النصر، ولن نرتاح إلا بالقضاء على الإرهاب، ما بقي مسلح واحد في حلب»، يقول. يتحدّث عن أهمية السيطرة على المدينة الصناعية في ريف حلب الشمالي منذ أيام، مؤكداً مقتل «مئات المسلحين خلال الشهر الاخير»، ومشدداً على أن» التعاون كبير من الأهالي، وبنك الأهداف يجري تحديثه بشكل مثالي».
«هدفنا القريب إحكام الطوق حول الأحياء التي ينتشر فيها الإرهابيون ومحاصرتهم تماماً وقطع الإمداد عنهم مع مواصلة ضربهم وتأمين مطار حلب من جهة الغرب بقطر خمسة كيلومترات»، يتابع القائد الميداني. ويرى أنّ «هدفنا تخليص مواطنينا في الأحياء الشرقية من كابوس الإرهاب، وسحب ورقة مياه الشرب من أيديهم».
وتسعى وحدات الجيش إلى السيطرة على القوس الأخير في دائرة الطوق حول أحياء شرقي حلب، حيث تمترس المسلحون على طول المنطقة الممتدة شمال غرب السجن المركزي حتى حندرات ومخيمها والعويجة ودوار الجندول. كذلك تمكنوا من إعادة السيطرة على مبنى كتيبة حفظ النظام على بعد أقل من نصف كيلومتر عن السجن المركزي، وعلى مواقع أخرى، ما ينذر بمعارك شرسة في المدى المنظور.

تمتد خطوط
المواجهة شرقي
حلب على ما يقارب خمسين كيلومتراً


أما المنطقة الواقعة إلى الغرب من هذا الجدار، فتعتبر بحكم الساقطة عسكرياً بمجرد بدء العمليات فيها، ليصبح معقل المسلحين الأخطر في حي بني زيد بين فكي كماشة، في حين أن امتداد الجدار نحو المدينة في أحياء هنانو والحيدرية والإنذارات بات تحت مرمى نيران المدرعات المتموضعة على تلال المقالع شمال هنانو.
والمعارك في هذه المناطق قد تكون «أسهل» لقوّات الجيش، لكنها لن تحسم بسهولة رغم التفوّق الناري، وحصار مناطق المسلحين.
ماذا عن التسويات؟
مصدر أمني كشف لـ«الأخبار» أنّ «الأمور لم تنضج بعد لإنجاح تسوية. هناك بعض المسلحين عرضوا خروجهم من حلب بسلاحهم الثقيل والمتوسط. هذا مرفوض عسكرياً وغير قابل للنقاش». ورأى أنّ «مبدأ التسويات والمصالحة هو لتثبيت أبوية الدولة واحتضانها للمسيء، ولكن ليس قبل العودة عن انحرافه. لا نريد قتل كل الإرهابيين بل القضاء على الإرهاب، ومن يلقي سلاحه أو يفر خارج القطر أو يعود إلى بلاده، من غير السوريين، فمشكلتنا معه تنتهي هنا». ورأى المصدر أنّ «جولة جديدة من المواجهة مع الإرهاب قد تتكفل بإقناعهم للضغط على مشغليهم الخارجيين لإنهاء مغامرتهم في حلب والانسحاب بما تبقى من عديد، بالأخص أن الأوامر الأميركية هي توفير الجهود لمواجهة داعش».
مصدر في لجان المصالحة يقول بدوره لـ«الأخبار» إنّ «تسويات كثيرة نضجت أو في طور النضوج، مع مجموعات محلية أو صغيرة، في المدينة وريفها الشمالي على وجه الخصوص، وحصار المسلحين سيخرجها إلى العلن».
وتمتد خطوط المواجهة بين الجيش السوري والجماعات المسلحة في شرقي حلب على ما يقارب خمسين كيلومتراً، كلها تقريباً أبنية وكتل عمرانية، مع تفوق ناري للجيش الذي سيباشر فور إكمال الطوق اقتحام شطر المدينة الشرقي. والمحاور المفترضة بحسب المصادر الميدانية كثيرة، ستجعل من الدفاع لفترة طويلة عنها «صعباً جداً»، وبحاجة إلى ما لا يقل عن «عشرين ألف مسلح، يتوافر أقل من نصفهم حالياً، وتتيح تقسيمها إلى ثلاثة قطاعات، يسهل القضاء على من سيبقى فيها».
وفي موازاة ما يجري، يرى مصدر متابع أنّ «القيادة السياسية تمهلت في إحكام الحصار على حلب لدفع المسلحين إلى مغادرتها قبل فوات الأوان، وجعلت من تسوية حمص نموذجاً ينتظر كل من تحكم وحدات الجيش الحصار حوله».