رام الله | في خضمّ الاستنفار العسكري الذي فرضه جيش الاحتلال في منطقة الأغوار منذ ظهيرة الأحد، عقب العملية الفدائية التي استهدفت حافلة تقلّ كتيبة من الجنود، أصيب 6 منهم بجروح مختلفة، تلقّى العدو ضربة جديدة باستهداف جنوده قرب رام الله في ساعة متأخّرة من مساء اليوم نفسه، ما أدّى إلى إصابة 4 منهم. واعترى الارتباكُ روايةَ قوات الاحتلال حول تفاصيل الهجوم الأحدث؛ إذ ذكرت بدايةً أن مركبة فلسطينية مسرعة ألقت قنبلة يدوية تجاه مركبة عسكرية إسرائيلية في منطقة النبي صالح شمال رام الله، قبل أن تعود مصادر عبرية وتقول إن الاستهداف جرى ببندقيّة صيد. وجاءت هذه العملية في وقت تعيش فيه إسرائيل تبعات هجوم الأغوار المستمرّة على الصعيد العسكري؛ إذ يُواصل جيش العدو فرْض حصار عسكري في المنطقة، بحثاً عن منفّذ ثالث تقول الجهات الأمنية الإسرائيلية إنه لا يزال طليقاً، ويبلغ من العمر 50 عاماً، وهو والد أحد الشبّان الذين اعتُقلوا يوم أمس عقب الهجوم، بينما أظهرت التحليلات العبرية أن ضربة الأغوار خُطّط لها جيّداً، من خلال رصد الحافلة واختيار يوم الأحد، والذي وُصف بأنه بمنتهى الدقة كونه اليوم الذي يجري فيه نقل الجنود. وذكرت صحيفة «معاريف» أن الخليّة المُنفذة حدّدت السائق كهدف أساسي لها، كون استهدافه سيتسبّب بوقوع أكبر عدد من القتلى، إلى جانب محاولة إحراق الحافلة بالزجاجات الحارقة التي كانت بحوزة المنفّذين، لافتةً إلى أن هؤلاء كانوا قريبين من تحقيق أهدافهم لكنّ الحظّ لم يحالفهم. وعاشت الضفة الغربية على وقْع العمليتَين ليلة ساخنة جدّاً في جنين، وبلدة قباطية، ومخيم العين في مدينة نابلس، ومدينة طوباس، والتي شهدت جميعها اشتباكات مسلّحة عنيفة استمرّت لساعات، بالتزامن مع توغّل القوّات الإسرائيلية في تلك المناطق لشنّ حملة اعتقالات، استُشهد على إثرها الأسير المحرَّر، طاهر زكارنة (19 عاماً)، من قباطية. وتَحوَّل الاشتباك المسلّح إلى فعل مقاوَمة يومي في مناطق عديدة في الضفة، مع كلّ عملية اقتحام يقوم بها الجيش الإسرائيلي، فيما بات من المؤكّد انتقال عدوى المقاومة إلى وسط الضفة، وما عملية رام الله الأخيرة وقبلها عمليات سلواد إلّا دليل على ذلك، ما يعني امتداد خطّ الاشتباك من الشمال إلى الوسط والشرق، واحتمال وصوله سريعاً إلى الجنوب وفق بعض التقديرات. وإذا كانت العمليات الفدائية تُمثّل مظاهر رئيسة للفعل المقاوِم في الضفة، فهي لا تلغي عشرات عمليات رشق الحجارة والزجاجات الحارقة على مركبات الجيش وحافلات المستوطنين، وآخرها رشق سيارة للمستوطنين بالحجارة قرب سلواد شرقيّ رام الله، قبل تدخُّل جيش الاحتلال وإطلاقه النار على الفلسطينيين؛ وأيضاً تضرُّر عدد من مركبات المستوطنين بعد رشقها بالحجارة على طريق مستوطنة «غوش عتصيون» في الخليل؛ ومحاولة تنفيذ عملية دهس لمستوطنين صباح أمس في محافظة سلفيت، حتى بات الأمر أقرب إلى حالة استنزاف لجيش الاحتلال، لم تَعُد تخفيها إسرائيل.
وبينما فشلت الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية في منع عمليات المقاومة، فإنها في المقابل، وبدعم من الإعلام العبري والمستويات السياسية، تسعى لاستغلال ذلك للتحريض على حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، واتّهامهما بأنهما تقفان خلْف عمليات المقاومة. وهو تحريضٌ سيَعقبه حتماً قيام سلطات الاحتلال بشنّ عمليات قتل واعتقال ومصادَرة للأراضي وهدم للمنازل واقتحامات واسعة، بحجّة البحث عن مقاومين أو نشطاء. وذكرت صحيفة «معاريف» العبرية، في هذا السياق، أن الجيش الإسرائيلي سيدْخل إلى قلْب القرى الفلسطينية في منطقة الأغوار للبحث عن الشخص الثالث المتّهم بالمشاركة في عملية إطلاق النار الأخيرة هناك، فيما تحدّث موقع «واللا» عن أن «حماس» تتعاون بشكل عملياتي وثيق مع «الجهاد» في الضفة، من أجل تنفيذ عمليات ضدّ أهداف إسرائيلية، وإن قيادة الأولى تساعد في تحويل الأموال وتجنيد المقاومين، لكن بسبب الاعتقالات والتحقيقات المستمرّة، فإن التَوجُّه لديها هو التعاون مع الأخيرة، والتركيز على جنين ونابلس والقرى المجاورة. كذلك، يتواصل تحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن تدحرج كُرة العمليات الفدائية؛ إذ قال ضابط سابق في «الشاباك»، لـ«معاريف»، إن «الأوضاع في شمال الضفة الغربية تقترب من الفوضى بسبب غياب السلطة الفلسطينية»، وإن «السيطرة باتت للمسلّحين».
ألقت موجة العمليات الأخيرة بظلالها القاتمة على التقديرات الأمنية الإسرائيلية للفترة المقبلة


وألقت موجة العمليات الأخيرة بظلالها القاتمة على التقديرات الأمنية الإسرائيلية للفترة المقبلة، خاصة مع اقتراب الأعياد اليهودية، إذ نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية عن مسؤول أمني وَصف الوضع في الضفة بأنه «معقّد، بل بالغ التعقيد»، قوله إن «الجهاز الأمني يتلقّى تحذيرات بشأن الهجمات، لذلك من المتوقّع أن نرى المزيد من نشاط الجيش الإسرائيلي والشاباك في محاولة لإحباط الهجمات في مهْدها». وأشار ضابط كبير في جيش الاحتلال، من جهته، إلى أن «عمليات الإحباط التي حدثت في الأشهر الستّة الماضية كثيرة للغاية. المنطقة تغلي، وهذه حقيقة. لقد تمكّنّا من إحباط بعض الهجمات قبل وقوعها، والبعض الآخر لا. نحن نسارع إلى العمل وفقاً لكلّ المعلومات الاستخباراتية المتوفّرة لدينا، وفي كلّ مكان»، بينما نقلت الصحيفة نفسها عن مصادر فلسطينية قولها: «هذه انتفاضة ثالثة... هذه ليست النهاية، بل إنها بداية لمرحلة جديدة في المعركة الجارية في الضفة الغربية».