رام الله | مرّة جديدة، نجح المقاومون الفلسطينيون في ضرْب المنظومة الأمنية والاستخبارية للاحتلال، بعد تنفيذ عمليّة فدائية في غور الأردن، أصيب على إثرها خمسة جنود ومستوطن بجروح مختلفة، حين أَطلق المنفّذون النار على حافلة كانت تقلّهم في شارع 90. وتدلّ العملية على أن المقاومة في الضفة الغربية باتت أكثر قوّة وإتقاناً لعمليّاتها من السابق، وخصوصاً أن العملية وقعت في أكثر المناطق حساسيّة لدى الاحتلال أمنياً وجغرافياً وسياسياً، حيث تنتشر أكثر من 38 مستوطنة، والعشرات من المواقع العسكرية وميادين لتدريب الجيش الإسرائيلي.وتشي عملية الأغوار باتّساع رقعة المقاومة، مع دخول مكان محصَّن إلى دائرة الاستهداف، وارتفاع مستوى التخطيط للعمليات الفدائية، والتي كان يمكن أن تكون نتائجها مغايرة لولا الحظّ الذي سمح لقوات الاحتلال باعتقال المنفّذين المنسحبين، على إثر سقوط زجاجة حارقة كانت بحوزتهم في المركبة التي كانت تقلّهم، ما تسبب باحتراق المركبة واثنين من المنفّذين. وعلى خلفية الصفعة التي تلقّاها الاحتلال، رفعت الشرطة الإسرائيلية حالة التأهُّب، وزادت عديد قواتها في المناطق المزدحمة في كل فلسطين المحتلّة، خشية تنفيذ عمليات مشابهة.
وتعليقاً على ما تقدَّم، قال سعيد بشارات، الأسير المحرّر المُبعَد إلى غزة والذي تنحدر أصوله من الأغوار، لـ«الأخبار»، إن العملية تدلّ على التطوُّر في عمل المقاومة في الضفة الغربية، فضلاً عن أنها تؤكد مخاوف جيش الاحتلال من فقدان السيطرة الأمنية في هذه المنطقة، لافتاً إلى أن ما يميّزها، هو دخول منطقة أخرى أكثر حساسيّة إلى دائرة الاشتباك بعد تمكُّن شبان من اعتراض حافلة وإطلاق النار عليها في وضح النهار، على رغم وجود عشرات النقاط العسكرية وأبراج المراقبة والدوريات المنتشرة في الشوارع. وعلى المستوى العسكري، رأى بشارات أن ما حدث أثبت فشل عملية «كاسر الأمواج» التي أطلقها جيش الاحتلال قبل أشهر، بينما يسابق الزمن لإخماد حالة المقاومة المتّقدة في الضفة، وللحدّ من اتّساعها الأفقي بحيث لا تخلق حالة منظّمة بشكل هرمي، مشيراً إلى التطوّر اللافت في عمل منفّذي العمليات، «ما يعني أن الأمور خرجت عن السيطرة».
تشي عملية الأغوار باتساع رقعة المقاومة، مع دخول مكان محصَّن إلى دائرة الاستهداف


وجاءت ضربة الأغوار في الوقت الذي أعربت فيه أوساط أمنية واستخبارية إسرائيلية عن قلقها البالغ من ارتفاع مستوى عمليات المقاومة في الضفة الغربية، والحاجة إلى الحدّ من اتساعها. ووفق المختصّ في الشأن العبري، عصمت منصور، فإن «معادلة الأغوار تثبت أن منْع العمليات شبه مستحيل، وكل العمل الاستخباري الذي تقوم به إسرائيل والعمليات الخاطفة من اعتقالات واغتيالات لم تنجح في منْع العمليات». وقال، في حديث إلى «الأخبار»، إن «ما يميّز العمليات الأخيرة هو جرأتها الكبيرة، فعملية الأغوار هي الثانية من نوعها بعد سلواد التي استهدفت فيها حافلة تقلّ مستوطنين أو جنوداً من جيش الاحتلال، ومن مسافة قريبة، ما يعني أن رقعة المقاومة تتّسع بجرأة من جنين إلى نابلس إلى سلواد إلى الأغوار وأريحا». وتحدّث منصور عن تطوّر عمل منفّذي العمليات وجرأتهم وقدرتهم على مفاجأة الاحتلال، وهو ما يشي، بحسبه، بوجود مساعدة تدلّ على أن العمليات بدأت تُنظّم. ورأى منصور أن من شأن ذلك أن يزيد من قلق الاحتلال ومخاوفه من اتّساع رقعة المواجهة، ويجعل خيار الرهان على الشكل الحالي في التعامل مع الحالة الفلسطينية غير ذي جدوى، كونه أثبت فشله، وبالتالي «نحن أمام خيارين: فإمّا فتْح آفاق جديدة سياسية واقتصادية، وهذا أمر غير وارد بسبب الانتخابات الإسرائيلية، وإما تصعيد القبضة الأمنية وتشديدها، وهو السيناريو الأقرب والذي ستترافق معه تطوّرات أمنية كبيرة تجعلنا أقرب إلى المواجهة المفتوحة».