دمشق | بعد أيام قليلة، ستكون سوريا على موعد مع حكومة جديدة يتفق المتابعون للشأن السوري على أن تشكيلتها ستكون انعكاساً مباشراً لتطورات الأزمة محلياً وخارجياً. فهي من ناحية ستحدد أولويات القيادة في الشأن المحلي في فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية، ومن جهة أخرى ستحسم ما يثار عن جهود وتطورات سياسية إقليمية ودولية مرتبطة بمجريات الأزمة السورية.
ومهما تكن الصورة التي ستظهر بها الحكومة المقبلة، فإن تشكيلتها ستحمل في كل الأحوال مضامين سياسية مختلفة الأبعاد والاتجاهات، إذ إنّ استمرار الحكومة الحالية مع بعض التعديلات، صغرت أم كبرت، يؤكد أن الظروف السياسية والمحلية الداعية لحكومة تمثل بوابة للحل السياسي للأزمة لم تنضج بعد، وإذا صدقت التوقعات وحملت مرحلة ما بعد أداء القسم حكومة جديدة، فإن مضمون رسائلها السياسية سيبقى رهناً بأسماء الوزراء المشاركين فيها، ومرجعياتهم السياسية والحزبية.

مؤشرات التغيير الجذري

وعلى ذلك تتباين التوقعات وتتعدد، فالبعض يرى أنّ الاتجاه سيكون لتمديد عمل الحكومة الحالية برئاسة وائل الحلقي، مع تعديلات تطاول عدداً من الوزارات الأساسية، وهذا ما يذهب إليه مسؤول سوري رجح أن تستمر الحكومة في عملها لحين إحداث اختراق مهم على صعيد الحوار مع المعارضة الوطنية، لتتألف عندئذ حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة الملفات الكبرى من المصالحة الوطنية إلى عملية إعادة الإعمار. ويختم المصدر كلامه لـ«الأخبار» بالقول: في النهاية يبقى القرار للرئيس بشار الأسد.

استعانت سوريا منذ
شهر نيسان من عام 2011 حتى اليوم بنحو 66 وزيراً

لكن ثمة من يستند إلى عدم الرضى الشعبي عن حكومة الحلقي، وإلى فشلها في إدارة الملفات الاقتصادية والخدمية، ليؤكد أن ثمة تغييراً جذرياً آتياً لن يكون مرتبطاً بتطورات سياسية، ولن يقف عند حدود التشكيلة الحكومية المقبلة، بل سيمتد ليشمل مفاصل كثيرة في بنية الدولة والنظام. فالمشاركة الواسعة وغير المتوقعة في الانتخابات الرئاسية فرضت مقاربة جديدة للشأن الداخلي، تعجز الحكومة القائمة حالياً على التعامل معها بمسؤولية ترضي الشارع الشعبي، وربما هذا ما حاول حسان النوري، المرشح الرئاسي السابق، قوله أخيراً عندما أشار إلى «أن سوريا ما بعد الانتخابات لن تكون كما كانت قبلها بتحدياتها والآثار السلبية التي ولدتها الأزمة».
وما يعزز سيناريو التغيير الشامل حراك الأحزاب السياسية المرخصة حديثاً. فالدكتور سليم الخراط، الممثل العام لائتلاف قوى التكتل الوطني الديمقراطي، يبدي تفاؤلاً سياسياً يتوقع أن ينعكس ايجاباً على التشكيلة الحكومية، فالعمل جار حالياً، كما قال، على الإعداد لمؤتمر حوار وطني تشارك فيها مختلف الأحزاب السياسية، وشخصيات من المعارضة الداخلية والخارجية، فضلاً عن جهود واتصالات تجري مع بعض الشخصيات المعارضة المقيمة في الخارج، لإقناعها بالعودة إلى سوريا، كما حدث منذ فترة قصيرة، ولا يستبعد في هذه السياق إمكانية عودة أسماء بارزة في المعارضة الخارجية.
كل ذلك، مضافاً إليه الميل المتزايد إلى احترام عمل المعارضة الداخلية ومواقفها السياسية، يمكنه برأي الخراط أن يجد أصداءه في التشكيلة الحكومية المقبلة، وأن يتعزز تدريجياً وصولاً إلى بدء مرحلة الحل الوطني الشامل للأزمة.

نادي الوزراء

باستثناء بعض التوقعات التي لا تخرج عن دائرة الأمنيات الشخصية أو الشعبية، فإن المعلومات الرسمية المتعلقة بهيكلية الحكومة المقبلة، وأسماء الوزراء الذين سيشملهم التغيير لا تزال محدودة جداً، انتظاراً على ما يبدو لمرسوم تكليف الشخصية التي سيقع عليها الاختيار لتكون في رئاسة الحكومة، وبدء مقابلاتها وحواراتها الشخصية والحزبية والنقابية.
وبمراجعة بسيطة للسنوات الثلاث الماضية، وما شهدته من تغييرات وتعديلات حكومية، سنكتشف أن سوريا استعانت منذ شهر نيسان من عام 2011 حتى اليوم بنحو 66 وزيراً لإدارة شؤون العباد والبلاد ومواجهة الأزمة، من بينهم 50 دخلوا النادي الوزاري لأول مرة، فيما حمل ما يقرب من 33 شخصاً لقب وزير سابق خلال الفترة نفسها، وهذه أرقام تبدو مفاجئة قياساً لاعتبارات عدة، منها: قصر الفترة الزمنية، طبيعة ما تواجهه سوريا من أزمة تحولت تدريجياً إلى كارثة اقتصادية واجتماعية وثقافية هائلة، والأهم غياب أي تطورات سياسية تستدعي الاستعانة بمثل ذلك العدد الكبير من الوزراء، إذ باستثناء انتخابات مجلس الشعب التي جرت في شهر أيار عام 2012، ودخول ممثلين اثنين لبعض أطياف المعارضة الداخلية إلى التشكيلة الحكومية الجديدة (قدري جميل وعلي حيدر)، فليس هناك أي دور للحسابات السياسية في ما جرى من تعديلات حكومية، ليبقى تقويم أداء الوزراء الأساس في كل ما جرى... أو هكذا يفترض.
يفضل الباحث في الشؤون الاقتصادية والتنموية، هاني الخوري، مقاربة هذا الملف من زاوية واقع عمل الدولة ككل، فيشير إلى أن «الارتباك كان سمة المرحلة، والتفسير المتناقض للتطورات والإحداث والأولويات وأسلوب العمل، فقد كشفت هذه الأزمة عن اختيارات متسرعة لأشخاص ليس لديهم أي مشروع، وهذا ما جعل كثيرا من الأشخاص الحكوميين سلبيين وغير فاعلين ويظهرون إفلاساً في أفكارهم وأدائهم».
ويضيف الخوري أنّه «بعد مرور عامين على الأزمة تحسنت الأمور، وظهرت نظرة جديدة للأزمة، مفادها بان استمرارية المؤسسة ضرورة للجميع، وغاية لاستمرار الحياة والخدمات بحدها المقبول للمواطنين»، دون أن يعني ذلك حدوث تغير جوهري في أداء مؤسسات الدولة يتناسب وخطورة التحديات، التي تواجهها البلاد من نزوح 7 ملايين مواطن عن منازلهم ومناطقهم، وحاجة أكثر من نصف عدد السكان إلى المساعدة الماسة، وفقدان أربعة عقود من التنمية الاقتصادية والاجتماعية... وغيرها.