بغداد | لم يحمل البيان الأخير لـ«وزير القائد» التابع لزعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، صالح محمد العراقي، «مفاجأة» جديدة، كما اعتاد في بياناته التي صارت شبه يومية، حيث كان في كلّ مرّة يعلن عن تحرّك جديد أو يضرب موعداً للكشف عن خطوة إضافية سيقوم بها تيّاره ضدّ خصومه في «الإطار التنسيقي»، ما ينعكس توتّراً في الشارع العراقي، وهو ما فعله في بيان أوّل من أمس. إذ بدا أن حصار مقرّ «مجلس القضاء الأعلى»، والذي تَراجع عنه الصدر بعد ساعات من بدئه، كان «دعسة ناقصة» في مساره الذي استطاع من خلاله الاستثمار في زخم الشارع، أدّت إلى تَغيّر في المزاج العام الذي صار يتأثّر أيضاً بعجز «التيار الصدري» عن تقديم أيّ إنجاز لأنصاره بعد أسابيع على إطلاق تَحرّكه. وخصّص «وزير القائد» بيانه، أمس، للهجوم على قوى «التنسيقي» والبرلمان والقضاء وحتى على الدستور الذي «صاغته ثلّة غير مختصّة بالقانون وخاطوه على مقاسهم، ويغيّرونه بمعونة القضاء حينما لا يتوافق وشهواتهم»، مضيفاً بسخرية: «تلك هي عناصر السَّلَطة (الفتوش)... فكيف تريدون من الشعب أن يحترمها؟!».ويقول القيادي في «تحالف الفتح»، عبد الحسين الظالمي، لـ«الأخبار»، إنه «بعد ارتفاع سقف الشدّ السياسي إثر قيام الصدريين باقتحام أسوار مجلس القضاء الأعلى، وردود فعل مجلس القضاء الذي أصدر حزمة من القرارات، منها تعليق العمل في المحاكم، وإصدار أوامر قبض بحق بعض مَن اتّهمهم بالتحريض على العنف، وردود الفعل الداخلية والدولية، أقدم التيّار الصدري على سحب المعتصمين، ما جعل الأمور تهدأ»، مستدركاً بأن «تصريح وزير الصدر (أوّل من أمس) قد يعيد حالة الشدّ السياسي مرّة أخرى، وخصوصاً أنه وعد بمفاجأة أخرى غير متوقّعة. كلّ ذلك يجعل الشارع يعيش حالة من التوتّر وعدم الاستقرار، تنعكس على جميع مناحي الحياة». ويدعو الظالمي الجميع إلى «تخفيف التصريحات التي تؤدّي إلى مزيد من التشنّج، وإبداء مرونة كافية لإيجاد حلول موضوعية للمشكلات القائمة، وما أفرزته من انسداد»، معتبراً أنه «لا خيار أمامهم سوى الحوار، لأنه لا رابح في هذا الصراع، والكلّ خاسر إذا تجاوَزت الأمور الحدود، وبخاصة أن هناك دعوات ومساعي للتواصل مع جميع الأطراف لغرض التهدئة أولاً، ولإيجاد حلول منطقية للمشكلة ثانياً»، لافتاً إلى أن «اجتماع الرئاسات الأربع (الجمهورية والحكومة ومجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى) شدّد على هذا المسار وعلى ضرورة الحوار واحترام مؤسّسات الدولة وحمايتها، بالإضافة إلى السعي لتلبية طلبات المعتصمين السلميين بشكل يراعي المصلحة العامة للشعب العراقي». ويتوقّع أن «تكون هناك انفراجة في اليومَين المقبلَين تفتح باب الحوار والتفاهم بين شركاء الوطن الواحد، وهذا أملنا من جميع القيادات العراقية بمختلف توجّهاتها ومسؤولياتها».
بدا أن حصار مقرّ «مجلس القضاء الأعلى» كان «دعسة ناقصة»


في المقابل، يرى الباحث السياسي، عصام الفيلي، المقرّب من «التيار الصدري»، في حديث إلى «الأخبار»، أن «ما تحدّث به وزير الصدر يعدّ صفحة جديدة في ما يخصّ الاعتصام»، مضيفاً أن «التيار يتعامل بمنطق الكتمان والمفاجأة الزخمية، بحيث إن كلّ مفاجأة يكون فيها زخم للأطراف، ويبدو أن ذلك قائم على استراتيجية، يتمّ الإعداد لها قبل وقت طويل، وفي صفحات متعددة، في كلّ صفحة نجد أنه لا يكرّر ما استخدمه في سابقتها». ويَلفت إلى أن زعيم تحالف «الفتح»، هادي العامري، «قال إننا بحاجة إلى الحوار، ولكن الحوار يجب أن يكون مبنيّاً على تنازلات من قِبَل جميع الأطراف»، مشيراً إلى أنه «أصبح هناك اقتناع لدى الجميع بضرورة حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة، لكن يبدو أنه ما زال هنالك خلاف حول طريقة المعالجة»، متابعاً أن «الصدر طرح فكرة المناظرة العلنية بمعنى أنه قدّم تنازلاً، بالتالي على القوى السياسية أن تقتنع بمفهوم الحوار العميق طالما أنه يؤدي إلى معالجة جذرية». ويعرب الفيلي عن اعتقاده بأنه «ليست هنالك استراتيجية بالنسبة إلى التيار الصدري للمواجهة مع القضاء لا من قريب ولا من بعيد، فهو يمتلك شرعيّة التحرّك الجماهيري... بخاصة أنه لا يمثّل التيار الصدري وحده، بل يمثّل رؤية كثير من القوى الشعبية، إضافة إلى حراك القوى المدنية والأحزاب اليسارية والحزب الشيوعي وبعض قوى تشرين التي تطالب بالتغيير. ولكن أنا أقولها: القضاء خطّ أحمر. حتى حينما ذهبوا، لم يدخلوا بل بقوا على الأبواب وانسحبوا بعد تسع ساعات».