في أعقاب تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو حول المصالحة بين النظام السوري والمعارضة، وحديث الرئيس رجب طيب إردوغان الإيجابي عن سوريا، لم يَعُد مستبعداً احتمال لقاء إردوغان بنظيره السوري بشار الأسد. وفي هذا الإطار، تحدّثت وكالة «تسنيم» الإيرانية عن احتمال عَقْد لقاءٍ ثُلاثي يجمع إلى الأخيرَين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش «قمّة شنغهاي للتعاون» التي ستُعقد في سمرقند يومَي 15 و16 أيلول المقبل. وكان إردوغان أعلن، لدى عودته من أوكرانيا قبل أيّام، أن «الحوار السياسي أو الديبلوماسية لا يمكن أن ينقطعا بين الدول ولا في أيّ وقت»، مؤكداً أن «هزيمة الأسد من عدم هزيمته ليست ما يقضّ مضاجعه».إزاء ذلك، يرى الباحث المعروف في الشؤون الدولية في «جامعة الشرق الأوسط التقنية» حسين باغجي، أن سياسة تركيا الخارجية «بدأت تعود إلى طبيعتها»، بعدما فهم إردوغان أن «المشكلات الدولية يمكن أن تُحلَّ بالتعاون والحوار السياسي»، معتبراً أن بلاده تشهد راهناً «تصحيحاً في السياسة الخارجية، من العزلة التامّة إلى الديبلوماسية متعدّدة الأبعاد». ويلفت إلى أن أنقرة، وبسبب خطابها الاستقطابي، «عاشت عزلةً كبيرة في شرق المتوسط والشرق الأوسط، لكنها تحاول منذ بدء الحرب الروسية - الأوكرانية أن تتجاوز عزلتها عبر اعتماد سياسات متوازنة»، فيما يعمل إردوغان على «كسب الثقة في مجالات الاقتصاد والديبلوماسية والسياسة الدولية. لكن بسبب اقتراب الانتخابات النيابية، يحتاج إلى مزيد من الوقت». ويعتقد باغجي أنه «في حال خسارة إردوغان الانتخابات الرئاسية، فإن الحكومة المقبلة ستُواصل السياسة التي يتبعها الآن»، أمّا في ما لو نجح في استعادة الثقة المفقودة فـ«عليه أن يدفع أثماناً كبيرة، وعليه أن يَدخل في حوار من جديد مع الدول التي كان يقول إنه لا يتكلّم معها». وإنْ كان منْح الثقة لتركيا مجدّداً، ممكناً، إلا أن هذا لا ينطبق بالضرورة على «العدالة والتنمية»، وفق الباحث، الذي يُذكّر بأنه «من زاوية القيم والجيوبوليتيك، فإن تركيا جزء من أوروبا. والعضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، لا تؤثّر سلباً في مصالحها الاقتصادية. لكن أوروبا هي الميناء الموثوق لأنقرة».
وفي صحيفة «جمهورييات»، يقول أورخان بورصه لي إن «بيت القصيد في سياسة تركيا الجديدة تجاه سوريا، هو تأمين الجبهة الشرقية للتفرّغ لمواجهة اليونان التي نسجت - بغياب تركيا - علاقات ممتازة مع السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل». ومن هنا، «يصبح السلام مع سوريا ضرورياً لتأمين محيط تركيا، والتفرّغ بعدها لمواجهة اليونان». في المقابل، ينتقد فهيم طاشتكين، في صحيفة «دوار غازيتيه» محاولات إردوغان تسوية الأمور مع سوريا بطريقة «تُغلق كلّ الملفات الإجراميّة التي ارتكبتها تركيا ضدّ سوريا على مدى 11 عاماً، وكأنّ شيئاً لم يكن». وفي مقالته المنشورة بعنوان «كيف لا يُصنع السلام مع سوريا؟»، يقول طاشتكين إن «كلّ الارتكابات التركية لم تُكتب على رمل أو ماء لتُمحى، وهو - أي إردوغان - كان يفاخر بأنه الرئيس المشارك في قيادة مشروع الشرق الأوسط الكبير مع الولايات المتحدة»، مضيفاً أن لسان حال إردوغان بأنه «لا يمكن تغيير محور بالصداقة بل بالعنف والقوّة، وهذا ما حاول فعله منذ عام 2011 عبر تحويل تركيا إلى طريق سريع لكلّ الجهاديين من العالم إلى سوريا، واتّباع سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين، والنهب المنظّم لكلّ المعامل في حلب وغيرها». ويرى أن «الذي يريد إفساد اللعبة الأميركية في شرق الفرات، لا يتعاون مع واشنطن في غرب الفرات في حماية هيئة تحرير الشام. إردوغان استاء من واشنطن لأنها خاضت الحرب ضدّ داعش مع الأكراد وليس مع الجيش السوري الحر. كان إردوغان يريد إنهاء الأسد قبل إنهاء داعش». ووفق طاشتكين، فإن «حزب العدالة والتنمية يريد الآن السلام. فهل حقاً يمكن شراء السلام بتبادل جزئي للشروط؟ الأتراك ينتظرون أن يشاركوا في إعادة إعمار بلد بذلوا قصارى جهدهم لإسقاط رئيسه وتدميره. هل هذا ممكن؟ حتى عودة اللاجئين لن تحصل إلا إذا انتهت الحرب». ويرى الكاتب أن إردوغان «سيعود إلى شركائه الغربيين، وسيبيع القصّة من جديد: ابتزازهم باللاجئين وبحلف شمال الأطلسي. لا خريطة طريق حتى الآن، ولا بوصلة».
إردوغان يحاول، اليوم، أن يهضم بصعوبة الموقف الحزين الذي وجد نفسه فيه بوعد الصلاة في الجامع الأموي


من جهته، يكتب السفير التركي السابق نامق طان، أن تركيا ستدفع غالياً ثمن السياسات الشعبوية التي اتبعها إردوغان. فهي، بحسبه، «انقطعت منذ وقت طويل عن الواقع الميداني على الأرض في سوريا. بالتالي لا تستطيع أن تُنتج حلولاً. فلا خطّة عقلانية لديها ولا برنامج موثوقاً». ويَعتبر أن «السياسة التركية تجاه سوريا تحوّلت من العمل للمصالح العليا للأمّة إلى ابتذال أيديولوجي ضيّق للسلطة يبيع الأوهام ويعمّق الاستقطاب والانقسام الداخلي... منذ تصريحات وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، ونحن نتعثّر ولا نعرف ماذا نريد. والسلطة السياسية تفتقد المناورات اللازمة لذلك، إذ لا تستطيع أن تكسر بسهولة القيود السياسية الاستقطابية التي وضعت نفسها فيها سابقاً. وإردوغان يحاول، اليوم، أن يهضم بصعوبة الموقف الحزين الذي وجد نفسه فيه بوعد الصلاة في الجامع الأموي». ويضيف: «لقد فعل إردوغان كلّ شيء لإسقاط الأسد، وأنفق عشرات المليارات، وسقط مئات القتلى من جنودنا، ليستفيق على أنه لا خيار له سوى المصالحة مع الأسد. والكلفة هنا ستكون باهظة». ويشدّد طان على أن «المسؤولية تفرض أن نواجه بصراحة وشجاعة الوضع، وأن نتصرّف خارج خطاب الشعبوية الفارغ، ونتحمّل المسؤولية الباهظة التكاليف. فمقياس احترام تركيا، ليس اتفاقية الحبوب، بل المنحى الذي ستّتخذه السياسة التركية تجاه سوريا والخروج من مستنقعها وإعادة التعامل مع النظام. وفي كلّ الأحوال، فإن خروج تركيا من هذا المأزق العميق غير ممكن من دون مساءلة السلطة السياسية أمام شعبها، ومن دون دفع الأثمان الباهظة للعودة عن هذه السياسات الخاطئة في الاقتصاد والسياسات الداخلية والخارجية».
في هذا الوقت، كان رئيس «حزب الظفر» القومي المتشدّد، أوميت أوزداغ، ينبّه إلى أن عدد المجنّسين من اللاجئين السوريين، بلغ مليوناً و750 ألفاً، أي نحو 3% من مجمل الناخبين الأتراك. وبحسب أوزداغ، يبلغ عدد اللاجئين الأجانب، وليس السوريين فقط، 13 مليوناً، وهو ما يعتبره «احتلالاً لتركيا التي سيدفع شعبها فاتورة ذلك غالياً»، بعدما أنفقت ما قيمته مئة مليار دولار على اللاجئين. ويتساءل: «هل يمكن أن تسبح وأنت تضع في رجْلك عشرة كيلوغرامات من الحديد؟». ومع أنه لا يعارض قدوم السياح العرب الذين «يأتون وينفقون»، فهو يسأل إنْ كان من الضروري إعطاء الجنسية لهؤلاء، وجعل «تركيا تتفلسطن. نسبة اليهود في فلسطين لم تكن أكثر من 7%. ومع هذا، أسّسوا دولتهم. ولهذا، ستستفيق تركيا يوماً ما على الكابوس نفسه»، متّهماً حزب «العدالة والتنمية» بالتأسيس لهذا الواقع: «أبو هذا الفكر هو نفسه أبو فكر مشروع الشرق الأوسط الكبير».