رام الله | يرفض العمّال الفلسطينيون في الداخل المحتلّ، القرار الذي توصّلت إليه السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، بتحويل رواتبهم عبر البنوك الفلسطينية؛ ونظّموا على الحواجز المنتشرة بين الضفة الغربية والداخل، يوم الأحد، احتجاجات ضدّ القرار، وإضراباً عن العمل. وعلى رغم أن الاحتجاجات جاءت عفوية من دون تخطيط أو جسم يقودها، إلّا أنه قد تتبعها خطوات أخرى، خصوصاً في ظلّ تَخوّف العمّال من قيام السلطة بالاقتطاع من تحويلاتهم المالية، تحت مسمّيات عديدة. ولم تبدّد تصريحات المسؤولين الفلسطينيين المتتالية هذه المخاوف، على رغم تأكيدهم أنه لن تكون هناك أيّ خصومات، وأن السلطة تسعى إلى محاربة ظاهرة سماسرة التصاريح وحفظ حقوق العمال. وفي هذا الإطار، طمأن رئيس الحكومة، محمد اشتية، إلى أنه «لن تترتّب على القرار أيّ ضرائب، لا ضريبة دخل ولا ضريبة قيمة مضافة، ولن تترتّب أيّ رسوم أو عمولات من قِبَل البنوك»، بينما جزم الأمين لعام لـ«اتّحاد نقابات عمال فلسطين»، شاهر سعد، أن «أيّ مساس برواتب وأجور العمال مهما كان مبرِّره، لن يتمّ السماح به أبداً»، وهو ما أكده رئيس السلطة نفسه، محمود عباس. وبهدف تسكيت هواجس العمّال بإجراءات عملياتية، أصدرت سلطة النقد الفلسطينية تعليمات جديدة تُلزم بموجبها المصارف بعدم استيفاء أيّ عمولات أو رسوم على أجور العاملين في أراضي الـ48، كما طالبتها بتسهيل إجراءات فتح الحسابات، وإتاحة خدماتها للجمهور على مدار الساعة. ويعمل مئات آلاف الفلسطينيين في الداخل المحتلّ، ويضطرّ هؤلاء لشراء تصريح شهري يسمح لهم بالدخول للعمل بمبلغ 2500 شيكل (770 دولاراً) من سمسار عمل، وتخضع رواتبهم وأجورهم لمنظومة خصومات إسرائيلية قبل أن يتسلّموها، ومنها ضرائب الدخل والتأمين الصحي والتأمين الوطني وصندوق المرض والتأمين التقاعدي. ويقول «الاتّحاد العام لنقابات عمّال فلسطين» إن تحويل رواتب العمال إلى البنوك الفلسطينية، من دون الخصم منها، سينعكس بالفائدة عليهم، ومنها إثبات عدد أيام عملهم، وتوثيق اسم وعنوان الجهة المُشغِّلة لهم، واعتبار عملية التحويل قاعدة قانونية يُعتدّ بها لدى المحاكم، لمطالبة أرباب عملهم ومُشغّليهم بكامل حقوقهم المالية والاجتماعية، كالتعويض المناسب والتأمين الصحّي ومكافأة نهاية الخدمة.
لكنّ العمّال لا يصدّقون ما يقوله المسؤولون، إذ يقول أحدهم، لـ«الأخبار»: «نحن لا نثق بالحكومة ولا بالسلطة، وهي غير مؤتمَنة على أموالنا، اليوم قد يقولون إنّنا لن نقوم بأيّ خصومات، لكن بعد فترة قد يقومون بذلك ولن يمنعهم أحد»، بينما يَعتبر آخر أن «السلطة لن تعجز عن فرض أيّ ضرائب لاقتطاع جزء من أموالنا، وهي تتّجه لتشكيل صندوق ضمان اجتماعي، وستقتطع من الرواتب جزءاً آخر لصالح الصندوق، كما أنها لم تُشاورنا في ذلك ولم تناقشنا أو تُجب عن أسئلتنا». ويرى ثالث أن «السلطة غير مكترثة لمشاكلنا واحتياجاتنا؛ فعلى سبيل المثال، هي تعلم بوجود سماسرة العمّال والتصاريح، وتعرف مَن يقوم بذلك ولا تُحرّك ساكناً، وهؤلاء يمصّون دم العامل، كما أن السلطة لم تفعل شيئاً لمساعدة العمّال خلال جائحة كورونا، بل اتّهمونا بنقل الجائحة إلى أهلنا، وأحياناً اتّهمونا بالجشع والطمع أثناء تَوجُّهنا إلى العمل، ولو لم نَقُم بذلك لما ساعدنا أحد، وفي النهاية أعلنت الحكومة بشكل غير صحيح أنها هي مَن قامت بإعطائنا لقاح كورونا». كذلك، يخشى بعض العمال من أن تتحوّل رواتبهم إلى أداة ابتزاز بيد إسرائيل على غرار أموال المقاصّة، بحيث تُوقف تل أبيب تحويلها إلى البنوك إذا ما اندلعت أيّ أزمة سياسية. وعلى خلفيّة كلّ ما تَقدّم، انتشرت في صفوف العمّال دعوات إلى تنظيم إضراب مشابه يوم الأحد المقبل على الحواجز العسكرية.
يعمل مئات آلاف الفلسطينيين في الداخل المحتلّ، ويضطرّ هؤلاء لشراء تصريح شهري يسمح لهم بالدخول


وتُعدّ هذه الأزمة المستجدّة جزءاً يسيراً من أزمة أكبر بين المواطنين والسلطة، عنوانها الأساسي انعدام الثقة بين الطرفَين، إذ إن الناس لا يثقون بالسلطة لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً، وينظرون بريبة إلى كلّ قرار أو تَوجّه يصدر عنها، استناداً إلى تجارب عديدة سابقة سعت الحكومة خلالها إلى تنفيذ مشاريع معيّنة وفشلت، كما في حالة «مستشفى خالد الحسن» الذي جمعت السلطة تبرّعات بملايين الدولارات من المواطنين من أجل تنفيذه، ولكنه حتى الآن لم يرَ النور. وممّا يعزّز مخاوف العمال اليوم، عودة الحكومة إلى الحديث عن إنشاء مؤسّسة للضمان الاجتماعي، بات قانونها جاهزاً ولكن تمّ إرجاء تنفيذه حالياً؛ إذ يخشى هؤلاء من اقتطاعات مالية من رواتبهم لصالح الصندوق، وأيضاً من تَوجّه السلطة إلى تشريع قانون جديد لضريبة القيمة المضافة. ويُعدّ إنشاء مؤسّسة الضمان الاجتماعي أمراً في غاية الأهمية بالنسبة إلى السلطة؛ كون ذلك يمثّل الشرط الذي جرى التوقيع عليه في «اتفاقية باريس» الاقتصادية عام 1995، كي تقوم إسرائيل بتحويل مستحقّات العمال الفلسطينيين المتراكمة لديها منذ سبعينيات القرن الماضي، والتي تُقدّرها رام الله بـ100 مليار شيكل.
وفي تعقيب على احتجاجات العمّال، يقول الأمين العام لـ«اتّحاد النقابات المستقلّة»، محمود زيادة، لـ«الأخبار»، إن «مخاوف العمّال مردّها إلى أنه لم تتمّ مناقشتهم أو الاكتراث لرأيهم في هذا الملفّ، كما أنهم يشعرون بالتهميش طيلة السنوات الماضية من قِبَل السلطة، التي لم تَقُم مثلاً بمحاربة السماسرة»، مضيفاً أن «الاحتجاجات قد تتوسّع وتتدحرج، طالما أن السلطة لم تستطع تبديد المخاوف بشكل فعلي وليس عبر التصريحات». في المقابل، يدافع أستاذ الاقتصاد في «جامعة النجاح»، نائل موسى، في حديث إلى «الأخبار»، بأن «تحويل رواتب العمّال إلى البنوك سيصبّ في صالحهم»، متابعاً أن «الحكومة تهدف من وراء هذه الخطوة إلى إنهاء ظاهرة سماسرة العمّال من جهة، ومن جهة أخرى تسلّم ضريبة الدخل وغيرها من الاقتطاعات التي تقوم بها إسرائيل من الرواتب، وتستطيع الحكومة الحصول عليها كما نصّ على ذلك اتفاق باريس الاقتصادي، وهذا يتمّ من خلال المقاصة الشهرية»، مستبعداً «قدرة الحكومة على فرض ضرائب جديدة على العامل كونه يدفع تلك الضريبة في إسرائيل».



الاحتلال يرفع الحظر عن مطار رامون
ضمن سياسة الاستغلال الاقتصادي للفلسطينيين، سمحت سلطات الاحتلال، أمس، بتنظيم أوّل رحلة طيران من مطار رامون جنوب فلسطين المحتلّة، لـ24 فلسطينياً إلى لارنكا القبرصية، في خطوة أولى ستتبعها رحلات عدّة إلى تركيا والإمارات. وكان من المفترض أن تنطلق، الإثنين أيضاً، أوّل رحلة إلى مدينة أنطاليا التركية، بالتعاون مع شركة طيران تركية، لكن تمّ إرجاء الخطوة والاقتصار على رحلة إلى قبرص. ووضعت السلطات الإسرائيلية مساراً محدّداً للسفر عبر المطار الذي يقتصر على حمَلة جواز السفر الفلسطيني، والذي ينبغي عليهم التوجُّه بمركباتهم إلى حاجز الظاهرية العسكري، حيث يخضعون للتفتيش ومن ثمّ تقلّهم حافلات إسرائيلية إلى «رامون». وكان «المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية» (مدار) قد أعدّ دراسة حول هذا المرفق، أورد فيها أنه أقيمَ في عام 2019 بتكلفة 1.7 مليار شيكل (515 مليون دولار) على مساحة تصل إلى نحو 14 ألف دونم قابلة للتوسيع، على بُعد نحو 18 كيلومتراً شمال مدينة إيلات جنوباً، و340 كيلومتراً عن مدينة القدس المحتلة، ولكنه فشل اقتصادياً بشكل كبير، ما دفع سلطات الاحتلال إلى التفكير في السماح للفلسطينيين باستخدامه لتعويض تلك الخسائر. وبيّنت الدراسة أن عدد المسافرين منه في رحلات دولية عام 2019، بلغ نحو 348 ألفاً، وفي عام 2020 هبط العدد إلى 126 ألفاً، ثمّ في عام 2021 تراجَع إلى 4800 فقط، أمّا في عام 2022، فقد وصل في الربع الأوّل من العام إلى 20 مسافراً فقط، على متن 9 طائرات مختلفة.