على رغم مرور سنة وشهرَين على عملية «حارس الأسوار» (سيف القدس)، تجد طبيبة الصحّة النفسية التربوية، نوعام يتسحاكي، مرّة أخرى، نفسها مُتحدّثة عن التفاصيل ذاتها. إذ تقول، في مقابلة مع موقع «واي نت» العبري، إنه «لا شيء تبدّل» على مستوى النقصان في الاستجابة لمستوطِني الجنوب «الذين يعانون من واقع لا يُحتمل، تتتالى فيه أصوات صفارات الإنذار والقذائف الصاروخية، وصور الجموع الراكضة نحو المساحات المحصَّنة... لديّ قلق من اليوم الذي يلي نهاية الجولة القتالية. فطلبات تلقّي الدعم تأتينا على شكل أمواج». وتضيف أن «التوجّهات والطلبات لا تأتينا مباشرة في خلال الحرب، فالضائقة تُستَشعر بعد انتهاء القتال. لقد شهدنا موجة من طلبات الدعم والرعاية النفسية بعد عملية حارس الأسوار. نحن حالياً في وضع ضائقة في قلب ضائقة؛ إذ ما زلنا نعالج حالات الصدمة من المعارك والحروب السابقة، وفي بعض الأحيان نجد صعوبة في القول أين بدأت السلسلة بالتحديد». وبحسب يتسحاكي، فإن «تلقّي الدعم والعلاج يتطلّب وقتاً طويلاً»، ولذا فإن «المرضى يشعرون باليأس، ومن ثمّ يبدؤون في الاعتياد والتأقلم حتى تأتي جولة قتال أخرى، وتنسف كلّ شيء». وتَلفت إلى عدم وجود عيادات معدّة للصحة النفسية، ولذلك يتوجّه هؤلاء إلى صندوق المرضى، متابِعة: «نجد أنفسنا طوال الوقت في دوامة؛ حيث يتوجّب علينا الاختيار بين أيّهم أشدّ حاجة للعلاج من الصدمات، لأنه لا يمكن توفير استجابة للجميع».
بلغ عدد طلبات الدعم النفسي 2370 طلباً، 480 منها في اليوم الأول للحرب

وطبقاً للمعطيات التي نشرها الموقع، وصلت مراكز «عران» (المتخصّصة في توفير الدعم النفسي الأوّلي) 2370 طلباً لتلقّي دعم نفسي، 480 منها في اليوم الأول للحرب، وهو ما يعني زيادة بنسبة 40% عن الطلبات التي يتلقّاها المركز في الأيام العادية، علماً أن ثمّة نسبة ثابتة في الزيادة عند أوقات الطوارئ تُراوح بين 40% و60%. وترى الطبيبة شيري دانيالوس أن «الجمهور الإسرائيلي يحتاج إلى الحماية من الصدمات النفسية، وليس فقط إلى الخدمات الطبّية التي يقدّمها إسعاف نجمة داوود الحمراء للجرحى نتيجة القذائف»، مشيرةً إلى أن جزءاً من المتوجّهين إلى «عران» في أوقات الطوارئ، يجدون أنفسهم مضطرين للانتظار لوقت طويل. وبحسب «منتدى المنظّمات من أجل الصحّة النفسية الجماهيرية» الإسرائيلي، فإن فترة الانتظار للحصول على الرعاية الصحّية النفسية تُراوح ما بين نصف سنة وسنة، فيما يشير أطبّاء نفسيون من الجنوب إلى أن بعض المستوطِنين ينتظرون ما بين سنة وثلاث سنوات، مضيفين أن زمن الانتظار للحصول على تشخيص أوّلي لا يقلّ عن خمسة أشهر.
أمّا اختصاصي علم النفس ورئيس «المنتدى»، يوفال هيرش، فيرى أن «هناك مساحة جغرافية كبيرة سكّانها يعانون من البوست تروما إثر سنوات طويلة من الحروب، ولا يوجد إدراك حول ذلك لدى متّخذي القرارات. هؤلاء لا يفهمون ما الذي يحتاج إليه الجمهور. الجمهور يحتاج إلى منظومة صحّية نفسية ثابتة ومتواترة، يمكنها تقديم الاستجابة في ساعات الطوارئ وأيضاً في الأوقات العادية». ويضيف: «يتوجّب على الحكومة أن تستثمر في تحسين الصحّة النفسية الجماهيرية. وعليها اعتبار ذلك بمثابة مهمّة وطنية قومية». وتعتقد مديرة الخدمات الاجتماعية في مستشفى «برزلاي» في عسقلان، حنهِ كاوفر، من جهتها، أن «الوقت عامل حاسم»، موضحةً أنه «لا يمكن تأجيل العلاج النفسي. جزء كبير من المصابين يصلون إلى المستشفى، وبعد ذلك يسرَّحون لاستكمال العلاج. نحن نُوجّههم إلى المراكز التي تقدّم العلاج النفسي الحسّاس، ولكنهم يبلغوننا فيما بعد أن مواقيت الانتظار للحصول على ذلك طويلة جداً. علينا مضاعفة أعداد المعالِجين في داخل المؤسّسات الجماهيرية وأيضاً داخل المستشفيات».