المرجعية الدينية في النجف تحاذر إلى الآن القيام بمساعٍ للحلّ
وتتمحور الخلافات بين القوى الشيعية العراقية حول الطموحات الشخصية، والرغبة في الاستئثار بالحصّة الكبرى من الحُكم من قِبَل هذا الطرف أو ذاك، أكثر ممّا تتعلّق بخلاف على موقع العراق، وفق ما تحاول السعودية والإمارات والولايات المتحدة الإيحاء به، حين تُصوِّر عبر التصريحات المباشرة، أو الحملات الإعلامية الواسعة، ما يجري في العراق في سياق اعتراض على العلاقة مع طهران. ولذلك، تُمثّل الانتخابات المبكرة الخيار الأفضل للخروج من الأزمة، إذا ما تمّ الاتفاق على قانون جديد لها، وعلى الحكومة التي ستشرف عليها، سواءً حكومة مصطفى الكاظمي كما يريد الصدر، أو حكومة مؤقّتة جديدة وفق ما ترغب فيه قوى «التنسيقي»، التي تتّهم الأولى بالانحياز في الانتخابات التي جرت في تشرين الأول الماضي، وأدّت إلى خسارتها جزءاً كبيراً من تمثيلها النيابي. لكنّ الحوار لمناقشة مثل هذه القضايا بين الجانبَين، لم يبدأ بعد؛ بالنظر إلى أن الصدر يرفض الدخول فيه وسحْب أنصاره من الشارع قبل الحصول على ضمانات بوصوله إلى نتيجة، أي قبول الطرف الآخر مسبقاً بإجراء انتخابات مبكرة تحت إشراف الحكومة الحالية، ويَعتبر زخم الشارع فرصة ذهبية لفرض شروطه.
وعلى رغم أن الانتخابات تبدو الحلّ الوحيد، إن تمّ الاتفاق على شروطها، فإنه لا ضمانة بأن لا تُفضي مرّة أخرى إلى ثلث معطّل يعيد إنتاج الأزمة نفسها، بل إن ذلك مرجَّح حصوله نظراً إلى تبعثر القوى السياسية. ومن هنا، يأتي مسعى الصدر لإحداث تغييرات في النظام السياسي، تطاول خصوصاً عُقدة رئيس الجمهورية الذي يتطلّب انتخابه في الجلسة الأولى نصاب ثلثَي أعضاء مجلس النواب، ليقوم الرئيس بعدها بتكليف رئيس حكومة جديد من الكتلة البرلمانية الكبرى. لكن ما يراهن عليه الصدر، على ما يبدو، هو تحقيق تقدُّم إضافي في الانتخابات، وخسارة خصومه، بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، جزءاً من قوّتهم البرلمانية، ما يجعله في موقف أفضل لتشكيل حكومة الغالبية التي يريدها، مع مشاركة جزئية، أو حتى شكلية، لبعض قوى «التنسيقي».
بالنتيجة، لا يمكن للصدر البقاء في الشارع إلى ما لا نهاية. ففي بلد منقسم كالعراق، ثمّة حدود لِما يمكن تحقيقه عبره، فضلاً عن المخاطر الدائمة التي يمثّلها نزول شارع مقابل شارع. والزخم الذي حقّقه الصدر يحتاج إلى ترجمته إلى مكاسب فعلية في العملية السياسية على طاولة المفاوضات، وهذا يستدعي الاستجابة للدعوة التي أطلقها «التنسيقي»، حين كلّف رئيس «تحالف الفتح»، هادي العامري، التفاوض مع الصدر، أو توفير ظروف مناسبة لدخول وسيط، إقليمي على الأرجح، على الخطّ لمساعدة الأطراف على التوصّل إلى تسويات، نظراً إلى اصطفاف غالبية القوى المحلّية إلى جانب «الصدري» أو «التنسيقي».