ومن هنا، تَجدّدت محاولة إعادة تفكيك الساحات، وتدفيع المقاومة وسكّان غزة ثمن هذا الإنجاز – الربط. وفي مواجهة ذلك، تخوض المقاومة، من خلال «وحدة الساحات»، معركة منْع العدو من شطب إنجازات «سيف القدس» أو إضعافها، وتكريس تلك الإنجازات تمهيداً للبناء عليها وتطويرها، باعتبارها الثقل الاستراتيجي العسكري الذي يظلّل الساحات كافة. وعليه، ليس من المبالغة التأكيد أن هدف التفكيك سيسقط عند أوّل ردّ صاروخي من المقاومة في غزة، على أيّ اعتداء إسرائيلي لاحق في أيّ ساحة من الساحات، تماماً كما يسقط حالياً مع كلّ صاروخ يستهدف العمق الإسرائيلي في هذه الجولة. مع ذلك، ينبغي عدم إغفال التقديرات التي سادت لدى جهات التقدير والقرار في كيان العدو، وحفَّزتها على المبادرة إلى هذا العدوان. فإلى جانب الجهوزية الاستخبارية والعملياتية، فقد قدّرت القيادة الإسرائيلية أن حركة «حماس» مكبَّلة باعتبارات هي التي ستحدّد قرار تدخّلها العسكري وحجمه ووتيرته والمدى الذي يمكن أن يبلغه؛ باعتبار الحركة هي المسؤولة عن الوضع في القطاع، إلى جانب كونها تنظيماً مقاوِماً، أي أنها في الوقت الذي تُواصل فيه تطوّرها التسلّحي لمعركة ستقع عاجلاً أو آجلاً، فهي أيضاً ملزَمة بتوفير الأموال ومواد البناء. وعلى رغم أن التقدير المذكور ثبتت صحّته إلى الآن، إلّا أن إسرائيل تدرك أن «حماس» غير مردوعة، وإنّما هي فقط تراعي تلك الاعتبارات، وهو ما تحاول تل أبيب استغلاله عبر تجنُّب ما ترى أنه سيؤدي إلى حشر الحركة ودفعها إلى تدخّل عسكري واسع.
هكذا، أرادت إسرائيل إيصال رسالة مفادها أنها عندما تواجه تهديداً تُبادر ولا تنتظر الردّ. لكنها قد تكون بذلك وقعت في فخّ المبالغة في الرسائل والنتائج، لأنها تواجه حتى الآن قوّة واحدة من قوى المقاومة في قطاع غزة المحاصَر من جميع الجهات، ولذا، فإن أيّ عِبر وخلاصات ينبغي أن تتناسب مع هذه الحقيقة. كما أن استطالة أمد المعركة ستؤدي إلى تآكل النتائج التي تفترض إسرائيل تَحقُّقها، فضلاً عن أنها ستَدفع «حماس» إلى المشاركة، وخصوصاً في حال اشتعال الوضع في المسجد الأقصى، وهو أمر يحضر لدى جميع المعنيّين في إسرائيل. من جهة أخرى، تَبرز إلى جانب الدوافع السياسية والانتخابية لدى رئيس الحكومة يائير لابيد، ووزير الأمن بني غانتس، اللذَين يأملان أن تصبّ نتائج هذه الجولة في صناديق الاقتراع، مصالح رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، الذي تنتهي ولايته بعد عدّة أشهر، ويحرص على ألّا يختمها بـ«وصمة» فشل أو توريط لإسرائيل، ولذا فهو يسعى أيضاً إلى محاولة وقْف العدوان عند هذه المرحلة.
تشكّل معركة «وحدة الساحات» رداً على محاولة العدوّ شطب إنجازات «سيف القدس» أو إضعافها
في كلّ الأحوال، تؤكد التجارب الطويلة للمقاومة في قطاع غزة أن أيّ جولة مهما بلغت فيها نسبة التدمير بحُكم تفوّق إسرائيل العسكري، فهي لن تسلب إرادة المقاومة في الردّ والدفاع والردع، كما لن تؤدّي إلى إضعاف قدراتها، وهو أمر لم يتحقّق في جولات أشدّ وأطول مدى ممّا جرى حتى الآن. وفي هذا الإطار، حذّرت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها، من أن «جولات القتال الكثيرة تُعلّمنا أنه على رغم التفوّق العسكري لإسرائيل، فإنّ الردع ليس ناجعاً، وفي كلّ ما يتعلّق بالحرب ضدّ الإرهاب، من الصعب جداً قطْع الصلة بين الضفة والقطاع؛ وأن شعار الجيش الإسرائيلي مستعدّ لكلّ سيناريو سبق أن فقد ثقة الجمهور، وأيضاً لم يَعُد بالإمكان مناقشة الدعوة إلى تقويض «البنية التحتية للإرهاب» بجدية.