غزة | بينما تشتعل القدس والأراضي المحتلة، ينشغل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، عن الأحداث بطريقة أو أخرى. كل ما بدر عنه بيان طالب فيه باستنكار قتل وحرق الطفل محمد أبو خضير، وهو قبل أسبوعين لم يتوان عن استنكار خطف وقتل ثلاثة مستوطنين اثنان منهم مجندان في الجيش الإسرائيلي، لكنه مؤخراً أوكل متابعة الأمر إلى متحدث باسمه، كأنه يحاكي دولة مجاورة!
ولا ينسى الفلسطينيون كيف خرج «أبو مازن» ليتوعد منفذي عملية الخليل بـ«حساب آخر» بعد كشفهم، وتلويحه بإنهاء المصالحة مع حركة «حماس» في حال ثبتت مسؤوليتها. كل ذلك وضع «فتح» في موقف حرج، خاصة بعد جريمة المستوطنين في القدس التي بدأت تفاصيلها تتكشف أمس.
«الأخبار» علمت أن الأيام الماضية شهدت نشوب خلاف كبير بين أعضاء في اللجنة التنفيذية وبين عباس. وتؤكد مصادر أن كلا من محمد المدني وأبو ماهر غنيم وتوفيق الطيراوي قد علت أصواتهم على الرئيس خلال جلسة جمعتهم به. وفق المصادر، تساؤل هؤلاء عن سبب تأخر في الذهاب إلى المحاكم والمؤسسات الدولية، واشتد النقاش إلى الحد الذي جعل الطيراوي يتهم عباس بتنفيذ سياسات ضعيفة دفعت المواطنين إلى اتهام القيادة بالخيانة، مطالباً أبو مازن بتغيير نهجه.

نفى الأمن
الوطني قرار التصدي لمستوطني بيت لحم قائلا إنه رد فعل!
كالعادة، لم يسمح «الرئيس» بوجود آراء معارضة له، فغيّر محور الاجتماع إلى الانقسام الفتحاوي الداخلي، واصفاً كل من يخالفه بأنه «دحلاني» ومهدد بالفصل. تضيف المصادر أن المدني وأبو غنيم لم يستطيعا الاستمرار في موقفهما بعد هذا التهديد الواضح، «فعقدا جلسة مصالحة ليلة الخميس الماضي عقب الإفطار معه، لكن الطيراوي غاب حتى يظهر ثباته على موقفه.
ومثلما كان متوقعاً، انقسم الفتحاويون على أنفسهم، الطرف الأول رفض التعاطي مع «الأخبار» والإدلاء بأي تصريحات تحت دعوى جهله بالموضوع أو أنه غير مخول بالتصريح. حتى أطراف الخلاف كاللواء محمد المدني رفض التصريح عبر الهاتف مكتفيا بمعلومات أرفقها في بيان إعلامي أصدره، ويقول فيه: «عذابات شعبنا تستحق وقفة رجل واحد وراء قيادة الرئيس عباس والالتفاف حول قضايا الوطن»!، مضيفاً: «لا للمزايدات التي أثبت الزمن انعكاساتها السلبية على الموروث النضالي لشعبنا».
بطل المشهد، الطيراوي، بقي الغائب الحاضر في ساحة الخلاف، ورفض حتى كتابة التقرير الإجابة على هواتفه النقالة أو التحدث للإعلام. على ضوء ذلك، شن أمين المجلس الثوري لـ«فتح»، أمين مقبول، هجوما لاذعاً على الطيراوي، واتهمه بأنه «ينفذ أجندة قيادي سابق مفصول من فتح»، في إشارة إلى محمد دحلان، «كي يزعزع الوحدة الداخلية». وقال مقبول لـ«الأخبار»: «الجميع يعلم أن من فبرك الخبر مقرب من هذه الشخصية، وهو اعترف شخصياً لبعض أعضاء الحركة، ويحاول أن يخرج مخزون حقدهم ضد رئيسنا ومواقفه الوطنية وثباته الأسطوري في وجه الاحتلال»!.
أما الناشط الفتحاوي، طلال الشريف، المحسوب تنظيمياً على محمد دحلان، فيرى أن معارضة بعض القيادات لعباس جاءت متأخرة، «لأن القضية تفرغت من محتواها بفعل تصريحاته الخطيرة التي تظهر الفلسطينيين بدور المعتدين لا المدافعين عن أنفسهم». هذا دفع الشريف للتأكيد، في حديثه لـ«الأخبار»، أن دحلان بات يحظى بشعبية كبيرة بين الجمهور الفتحاوي، «لأنه الشخصية الوحيدة القادرة على المجاهرة بمعارضة عباس».
وفي دلالة لافتة على التشتت في القرار الفتحاوي اتجاه الأحداث، صدر بيان من الأمن الوطني في مدينة بيت لحم، جنوبي الضفة، أكد فيه جاهزيته للتصدي لهجمات المستوطنين على المواطنين في المحافظة. وصرح نائب قائد منطقة بيت لحم، العقيد حازم أبو هنود، أمس بأن «قوى الأمن تسير دوريات ليلية لصد هجمات المستوطنين». «الأخبار» تواصلت مباشرة مع قائد منطقة بيت لحم، العقيد سليمان قنديل، الذي نفى وجود قرار مماثل، وقال إن البيان الصادر عن نائب قائد المنطقة «رد فعل على اقتحام منزل مدير العمليات المشتركة في قوات الأمن، وهو لامتصاص غضب الشعب».