الأجواء السائدة في كيان العدو هي أن إسرائيل دخلت في جولة قتالية ستستمرّ لأيام
في سياق أوسع، لا يمكن الفصل بين هذا العدوان وبين نتائج معركة «سيف القدس» التي أسّست للربط بين ساحات فلسطين. وتؤكّد التفسيرات التي تسوِّقها القيادة الإسرائيلية لاغتيال الشهيد الجعبري الربط الوثيق بين المحطّتَين. إذ ينظر العدو بخطورة بالغة إلى تكريس حالة الاتصال بين الساحات، على المستويين المقاوِم والشعبي. ولذلك، فهو يحاول أن يعزل كلّ منطقة عن الأخرى للاستفراد بها، بخاصة أن تشابك الساحات وتكاملها سيؤدي إلى إنتاج واقع خطير جداً على المستوى الأمني. ومن هنا، من الواضح أنه سيكون لنتائج هذه الجولة المفتوحة على العديد من الاحتمالات، دور مفصلي في تثبيت معادلات «سيف القدس»، الأمر الذي سيشكّل تحدّياً كبيراً لتل أبيب. أيضاً، كشفت حالة الهلع التي أصابت غلاف غزة في أعقاب اعتقال السعدي، هشاشة الادّعاء الإسرائيلي بأن عملية «حارس الأسوار/ سيف القدس»، عزّزت الردع بوجه فصائل المقاومة. فلو كان الأمر هكذا، كيف يمكن تفسير ما يحصل في جنين؟ ولماذا حالة الاستنفار أخيراً؟ ولماذا تمّ فتح الملاجئ في تل أبيب وغيرها من المستوطنات والمدن خوفاً من صواريخ المقاومة؟
من جهة أخرى، تشكّل هذه المحطّة تحدّياً مفصلياً لرئيس الحكومة يائير لابيد، ووزير الأمن بني غانتس، اللذين يخوضان حملة انتخابية في مواجهة بنيامين نتنياهو، ويرون في ما يحصل اليوم فرصة لتعزيز صورتَيهما كقائدَين يمتلكان جرأة المبادرة إلى خيارات عملياتية واسعة. وعلى هذه الخلفية المركّبة بين الاعتبارات المهنية – العدوانية والسياسية الداخلية، صدر بيان مشترك باسم لابيد وغانتس، جاء فيه أن الهدف من العملية هو إزالة تهديد «الجهاد عن مواطني إسرائيل». وفي تعبير كاشف عن الضغط الذي تشكَّل على القيادة السياسية بفعل حالة الهلع التي سادت في غلاف غزة، أكد لابيد أن حكومته لن تسمح بفرض أمر واقع عليها، وأنها ستعمل كلّ ما هو مطلوب «لإزالة التهديد».
في كلّ الأحوال، الأجواء السائدة في كيان العدو هي أن إسرائيل دخلت في جولة قتالية ستستمرّ لأيام، وعلى هذه الخلفية تمّ رفع مستوى الجاهزية والاستعداد في منطقة الجنوب. لكن التجربة تقول إن كلّ ذلك لن يحول دون الانتقام لدماء الشهداء التي ستتحوَّل إلى محطة بارزة في سياق مقاومة الاحتلال، فيما من غير المتوقّع أن يحقّق جيش العدو ما لم ينجح في تحقيقه في معركة «سيف القدس». لكن أكثر ما يقلق جميع المستويات في الكيان، هو حجم المعركة وإمكانية أن تتوسّع إلى بقية مناطق فلسطين.