محمد أبو خضير، شهيدُ الفجر، فتى مقدسيٌ في السادسة عشر من العمر استشهد. احفظوا هذا الاسم جيداً، فهو منارةٌ للأيام المقبلةة، ونبأٌ لمن لايعرفون. صورةٌ لما سيأتي وما سوف يكون. لا دموع نراها في المآقي، ولا ألوان أكثر قتامة. ماحدث قبل محمد لا كما ما بعده. هو الأخ الذي لم تلده أمهاتنا. هو كلامنا الحلو عن كل الأشياء الجميلة. بماذا نؤبنك يا محمد؟زغاريد الرصاص كانت كلامنا الوحيد، الشباب الذين لثموا أنفسهم عادوا ليقولوا بأننا أولادك يا أم محمد، كلهم كانوا يشيرون إلى السماء وإلى قلوبهم، فالله يعرف ما في تلك الصدور، وكيف تواجه أعتى قوة في العالم وحدها، بقوة حجارتها والمولوتوف. شعفاط باتت ناراً تحت أقدام المحتل، هي لم تستكن يوماً، لكن اليوم هو عرسها، عرس محمد. محمد الذي لم يعرف من هذه الحياة الكثير. ما كان ذنبه كي يخطفه الصهاينة؟ هل صرخ بوجههم يوماً؟ هل أخذ من دربهم شيئاً؟ هل أتى واحتل أرضهم؟ وسرق منهم طفولتهم وعذّبهم؟ رأى القتلة في محمدٍ كل هذا وأكثر. رأوا فيه المستقبل لهذه الأرض، البذرة الجميلة لهذه الأرض الطاهرة.

والقاتل يكره من يظهره على حقيقته: قاتلاً.
يا نارُ كوني برداً وسلاماً على محمد. اليوم أنت مرتاحٌ في عليائك يا أخي. ونحن هنا لا ننساك. كم مر على رحيلك؟ وكم سيمر بعدها؟ لكننا لا ننساك، منذ اليوم الأول نقول بأننا لا ننساك، وليس لن ننساك: بل لا ننساك. هو اختيارنا أن نختار أن تكون بوصلتنا يا محمد. وأن ننتفض على قتلك؛ وألا نغفر أو نسامح. وأن نصرخ بأعلى صوت مع زغردة الرصاص: «يا شهيد ارتاح ارتاح، احنا بنكفي الكفاح».
فما سيكون بعدك ليس كما قبله. اليوم أشعلنا الضفة ناراً ونوراً يا محمد، حمل الشبان أرواحهم على أكفهم، لا مكان هنا لامرأة أو رجل، الجميع يشارك، الكل يجيد رمي الحجارة وتجميع المولوتوف، ومن لا يعرف يتعلّم ومن لا يجيد سيجيد بعد مدّة ومن لا يقدر سيقدر على أشياءٍ أخرى. هي انتفاضة. انتفاضتك أنت يا محمد.
لن يمر يومٌ ونهدأ فيه بعدك، لن يأتي يومٌ ونسكت فيه بعدك. ستكون أيقونتنا، كما المسيح مضاء. ستكون نجمتنا وإن بعدت السماء عنا كثيراً. ستكون يا محمد بهجتنا في عز ليالي السواد الآتية، ونحن نعرف بأن شهداء الفجر تكون ابتسامتهم بارقة: فابتسم يا محمد أكثر؛ ابتسم نحن شعبٌ يجيد الابتسام كثيراً، وخصوصاً في وجه
الموت.