تقع قرية إقرث المهجّرة في قضاء مدينة عكّا شمال فلسطين المحتلّة، وتستمرّ نكبة القرية، كباقي القرى الفلسطينيّة، منذ سبعة وستّين سنة.
أُبعد أهالي القرية عنها عام ١٩٤٨ بشكل قسري، الى قرى مجاورة عديدة لمدّة أسبوعين فقط بداية ولأسباب أمنيّة، بحسب الوعد العرقوبيّ، وتحديداً في اليوم الثاني من "حملة حيرام" التي شنّتها قوّات جيش الاحتلال. لكن لمّ يتم السماح لأهالي القرية بالعودة إليها كما ادّعى الصهاينة.
قدّموا التماساً لمحكمة العدل العليا لإلزام الحكومة الإسرائيلية تنفيذ أمر إرجاعهم آنذاك، لكنها ردّت عليهم "بهديّة" ليلة عيد الميلاد من عام ١٩٥١، حيث قام جيش الاحتلال بتفجير وتدمير جميع معالم القرية من دون أي استثناء، وبقيت الكنيسة ومقبرة القرية شاهدتان على الجريمة.
قدّم أهالي قرية إقرث على مدار السنين العديد من الالتماسات، اعتصموا وناضلوا من أجل تحقيق حلم العودة، لكن، كلّ المحاولات باءت بالفشل، حيث تم مصادرة غالبية أراضي القرية.
هكذا، نقل الأجداد حلم العودة الى الجيل الثاني ثم الثالث. هكذا ورثنا عدم التنازل عن حقوقنا، وتعلمّنا عدم الاستسلام حتى في الحالات المستعصية.
اليوم، ومنذ أكثر من ثلاثة أعوام، يقطن القرية العديد من الشباب، الذين أدركوا أنّه من غير الممكن انتظار أن يمنحك مُحتلّكَ حقك، خاصة أنه هو من انتزعه قبل ذلك. قرّروا إعلان العودة وممارسة العيش الطبيعي هناك، رغم الصعاب التي يواجهونها بشكل دائم. فقرية إقرث تتسّم بمناخ شديد البرودة في فصل الشتاء، كونها تقع على علو ٥٥٠ متراً فوق سطح البحر، ما يجعلها في الوقت ذاته شديدة الحرارة في فصل الصيف.
يبقى أحفاد إقرث في قريتهم المحالة الى الاندثار، يواجهون سياسة التضييقات من قبل حكومة الاحتلال. لا يمكن أن نستهجن ذَلِك، طالما أنّ وجودنا يشكّل خطراً على حلمهم بالاستيلاء على جُلّ أراضي فلسطين بحجّة أنّ أهالي القرية لا يملكون من القرية سوى الكنيسة والمقبرة، وأنّ باقي أراضيها هي ملك "للدولة" بغالبيتها. لذا يواظب الاحتلال على هدم ما يتمّ بناؤه، حتى إذا كان ذلك قنا للدجاج. وتقتحم القرية بشكل متواصل قوّات من الشرطة والجيش بهدف "الاستطلاع" والتأكّد من أنّهم "لم يخالفوا القانون" والتزامهم بمساحة الأرض التي هي ملك أبناء القرية، التي لا تتعدي مسطّح الكنيسة، وإن لزم الأمر يستدعون القوات الخاصة والشرطة، فيصادرون ويعتدون على ممتلكاتهم ومقدّساتهم، يقتلعون الأشجار.
في السنّة السالفة وصل الأمر الى أوجه، حيث اعتدوا بالضرب على ثلاثة شبّان قاموا بتوقيفهم واعتقال أحدهم على ذمّة التحقيق، وإعلان القرية... منطقة عسكريّة مغلقة!
لكن أهالي القرية لا يتوقفون عن اجتراح النشاطات التي تبقيهم في أرض قريتهم. هكذا، ومنذ سنوات عديدة، يقومون بتنظيم مخيّم صيفي يضم العشرات من أبناء القرية من الأجيال الثلاثة، بهدف الحفاظ على الهويّة الفلسطينيّة، ولتعزيز التواصل مع باقي أبناء القرية الذين لجأوا الى أماكن عديدة من البلاد، ولصيانة حقّ العودة المقدس. كما يصل إلى القرية عشرات من الزائرين بشكل يومي تقريباً، حيث يستقبلوهم ويشرحون لهم عن تاريخ القرية وعن ممارستهم لحياتهم بعد إعلان العودة، ويتضامنون مع قضيّة إقرث بأشكال عديدة.
قضيّة إقرث هي جزء من قضية شعب منكوب بالكامل، لا يمكن أن نتخلّى يوماً واحد مما ورثناه من أجدادنا، وجودنا هناك هو إثبات وجود ومقاومة ورسالة لكلّ العالم بأنّا لن ننسى، على عكس المقولة السائدة: "الكبار سيموتون والصّغار سينسون"، حتى العودة.