حلب | «المصانع اشتاقت إلى عمالها». بهذه العبارة عبّر أحد الصناعيين لدى تفقّده معمله الذي استولى عليه المسلحون. يقاوم دمعته بعد طول انتظار وترقب. سنتان من الجحيم انتهتا بالنسبة إليه وإلى الآلاف، بعدما سيطرت وحدات الجيش السوري على المدينة الصناعية في الشيخ نجار شمالي شرق حلب. الأمل كبير بعودة تشغيل المصانع من جديد، التي يبلغ عددها في المدينة الصناعية 4 آلاف، كانت تؤمّن وظائف لعشرات الآلاف من العمال، حيث تبلغ مساحتها أكثر من 44 كيلومترا مربعا، وتزوّد كافة الأسواق بالبضائع والمواد الأولية.
الطريق إلى المدينة الصناعية أصبح شاقاً وطويلاً ثلاث مرات بعد الحرب. مسار التفافي اجباري يجتاز قرى جنوبي حلب وصولاً إلى المطار، ومن ثم عبور طريق الباب القديم لسلوك طريق ترابي بعدها يحاذي أسفل «تلة النمر»، اسم اتخذته نتيجة تموضع الوحدات التي يقودها العقيد سهيل الحسن الملقب «بالنمر».
الوجهة الأولى كانت مباني إدارة المدينة الصناعية، المعروفة باسم «النافذة الواحدة»، حيث الغرف المسبقة الصنع، التي خصصت كل واحدة منها لفرع من فروع الصناعة الحلبية، لكنها تحولت إلى مقارّ لـ«لواء التوحيد» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» وغيرها من الفصائل المسلحة.

عملية خاطقة

مصدر رفيع في قيادة العمليات العسكرية في حلب قال لـ«الأخبار» إنّ «عملية خاطفة وفائقة النجاح أنجزتها وحدات الجيش انتهت بتحرير كامل المدينة الصناعية خلال ساعات، حيث انهارت دفاعات الجماعات الإرهابية التي لاذت بالفرار عبر محور واحد».
وشرح المصدر كيف أن «مئات الجنود تسللوا فجراً إلى نقاط التماس في ثلاثة محاور أساسية، وبعضهم لم يطلق طلقة واحدة في الساعة الصفر لحظة الاقتحام وشرع بالتقدم، فيما كان المسلحون يلوذون بالفرار وتلاحقهم نيران سلاح الجو». مصدر ميداني، طلب عدم الكشف عن هويته، أكد «اعتقال عدد من الإرهابيين العرب والأجانب خلال المعركة».
في المقابل، رأى مصدر معارض في ريف حلب أنّ «خيانة موصوفة هي سبب دخول الجيش إلى المنطقة الثالثة في المدينة الصناعية، حيث نفذ عناصر جبهة النصرة انسحاباً تكتيكياً دون إبلاغ غرفة العمليات المشتركة». وأضاف المصدر: «سحبوا ما لديهم من سلاح ثقيل تاركين مجموعات الجيش الحر وباقي الفصائل الإسلامية في مواجهة خاسرة أمام الجيش، فانهارت الجبهة بالكامل».
التمهيد لاقتحام الفئة الثالثة في المدينة جرى في الأيام الأخيرة عبر قصف مركز، يصفه المصدر بأنه «مقتلة للمسلحين الذين أدركوا أن الموت مصيرهم بعد تسديد ضربات نوعية مبنية على معلومات دقيقة في تموضع الإرهابيين كلفتهم عشرات القتلى يومياً».
الرقيب عدنان (اسم مستعار) الذي كان في خط القتال الأول، تسلّل إلى بعد عشرين متراً من موقع الحراسة، يقول: «رأيتهم يغلون الشاي وهو آخر شيء قاموا به، عشت صراعاً بين رغبتي في قتلهم السهل والتزامي بالأوامر، فلو أطلقت النار لكُشف تسلل مجموعتنا التي كانت الأولى».

الجيش مستمر في التقدّم

في نقطة متقدمة شمال غربي المدينة، كانت «عيون» الجيش تشير إلى واد تتناثر فيه جثث المسلحين الذين قضوا خلال انسحابهم إلى كفر صغير، حيث تابعت وحدات أخرى تقدمها، وإلى الشمال الشرقي منها باتجاه تل شعير.
ووصلت وحدات الجيش إلى نقاط متقدمة في مثلث بات يتقاطع فيه صراع بينه وبين تنظيم «الدولة الاسلامية» و«الجيش الحر» و«الجبهة الاسلامية».
وفي الجهة الغربية من المدينة، أعادت الجماعات المسلحة تنظيم صفوفها، متّخذة من محور مخيم حندرات باتجاه الكاستيلو حصنها الأخير الذي تستهدفه نيران الجيش على مدار الساعة، وتستعد «لاجتيازه» لإطباق الحصار على المسلحين في حلب.