ريف دمشق | بجهد بالغ، تحاول عبثاً أن تجد واحداً من أبناء الغوطة الشرقية يعلم بوجود مؤسسة «توادوا LEOP»، التي تعلن أنها مؤسسة مختصة بتلقي الدعم «المالي والإنساني لأبناء الغوطة الشرقية المحاصرين». لا أرقام هواتف ولا مراكز معلنة للمؤسسة، حتى داخل الغوطة الشرقية. فقط بريد إلكتروني وحساب «Skype» للتواصل. بعد محاولات عدة، يجيب أحد المعنيين في المؤسسة على رسائل «الأخبار»، ويسأل عن المبلغ المراد التبرع به، ويرفض الإجابة عن أي شيء آخر.
كما كل تفاصيل الحياة في سوريا، تنقسم المنظمات غير الحكومية بين منظماتٍ محسوبة على الموالاة، وأخرى تابعة للمعارضة. يرى الأكاديمي في علم الاجتماع، هشام الأحمد، أنه يمكن تقسيم عمل تلك المنظمات إلى فترتين زمنيتين، الأولى ممتدة من 2007 إلى أواسط 2012، وهي التي شهدت ظهوراً للمنظمات المقربة من الحكومة السورية، كمركز «استكشاف مسار» التابع لـ«الأمانة السورية للتنمية»، والمختص بخبرات التعلم التفاعلية، حيث أوكل إلى شركة «Henning arsen» الدانماركية مهمة تصميم بنائه الضخم في دمشق. أما الفترة الثانية فتشمل ما بعد بداية عام 2012، حيث بدأت منظمات عديدة تظهر للعلن داخل المناطق التي سيطرت عليها المعارضة المسلحة. ويؤكد الأحمد، في حديث مع «الأخبار»، أن «الأنجزة (من NGO، أي منظمات المجتمع المدني) السورية لا تشبه أي أنجزة في العالم. فنحن هنا أمام منظمات واضحة التبعية للسلطة السياسية، ومنظمات أخرى في مناطق خارج سيطرة الدولة، وهو ما يفتح الباب لانفجار ظاهرة الدعم المالي ــــ الدولي بأبشع أشكالها».
يمثّل تراجع
المعارضة موسماً دسماً للمنظمات لإطلاق
حملة تبرعات جديدة

ولم يسبق أن ظهرت الجمعيات غير الحكومية قبل تاريخ 2007، إلا «جمعية البستان الخيرية» التابعة لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف، التي بدأت عملها في اللاذقية عام 1999. غير أن دخولها حيز النشاط الفعلي بدأ يزداد عام 2011. الجمعية التي تعلن اعتناءها «بشؤون الفقراء وتقدم لهم جميع أنواع المساعدات الممكنة»، يتهمها معارضون سوريون بأنها شكلت «غطاءً لمخلوف، عندما أعلن أنه سيتبرع بأمواله للفقراء. كيف يمكن رجل أعمال أن يتبرع بأرباحه لشركة خيرية يملكها هو؟!» يتساءل الناشط المعارض أيهم محمد (اسم مستعار)، ويؤكد أن «الناشطين رصدوا حالات توزيع سلاح على عوائل في قرى عدة، عبر الجمعية المذكورة».
وفيما تحاول المنظمات المدنية المعروفة التي تعمل «تحت الضوء» نسبياً، مواربة وإخفاء مصادر تمويلها بالعبارة المجترة: «جمعية غير ربحية»، لم تكن الجمعيات في مناطق المعارضة المسلحة في حاجة إلى إخفاء طلباتها تلقي الدعم من الخارج. على سبيل المثال، لم تجد جمعية «ملتقى دوما»، خلال إعلانها عن حملة «إفطار صائم في الغوطة الشرقية»، ضيراً في تسعير الوجبة الرمضانية «التي ستوزع على المستحقين» بخمسة ريالات سعودية يومياً.
وكما أن لأنواع التجارة مواسم تنتعش خلالها، كذلك حال المنظمات المدنية في سوريا. ففيما يشكِّل شهر رمضان موسماً جيداً لمنظمات الطرفين، تنشأ مواسم خاصة لكلٍّ منها. «يمثِّل تراجع المعارضة المسلحة في إحدى المناطق موسماً دسماً للمنظمات المدنية المعارضة، لإطلاق حملة تبرعات جديدة، تحت ذريعة الحصار التي ترزح تحته هذه المناطق»، تقول ناديا، الطالبة في قسم الإعلام في دمشق، وتعقّب: «كذلك تشكِّل الانتخابات الرئاسية وحملات رسم العلم السوري موسماً للجمعيات المحسوبة على الموالاة». في إشارة منها إلى حملة «سوريا أحلى» التي أطلقتها «مجموعة نسور سوريا» بالتشارك مع جمعية «سيدات سوريا الخير»، لرسم العلم السوري على جدران المدارس، ولاحقاً على أبواب المحال التجارية.
إلى ذلك، لا تقتصر سلبيات المنظمات المدنية، بشقيها، على عمليات الاحتيال والسرقة التي تترافق مع الحملات التي تطلقها، فالعمليات هذه، بحسب الناشط اليساري كمال «هي حد أقصى لعمل المنظمات غير الحكومية، لكن هناك حد أدنى لعملها يتمثل في عملية الاستقطاب في صفوف الطرفين، وتشكيل بديل انتمائي للشباب السوري، بعيداً عن الصراع السياسي السلمي المطلوب». ويضيف الطالب الجامعي أن «هناك تبعية يتم خلقها بين المكون السياسي والأفراد المنضوين في الجمعيات التابعة له، سواء عبر الرابط الاجتماعي الذي تخلقه الجمعيات، أو عبر المساعدات المالية التي تزيد من قوة تلك التبعية».