عمّان | جرت خلال جلسات مجلس النواب الأردني مناقشة تعديل مادتين رئيستين، الأولى تتعلق بخفض سن المسؤولية الجزائية للحدث من 12 عاما إلى 7 سنوات، والأخرى شطب مادة تمنع ضرب الحدث في نسخة القانون (كما أقرها مجلس الوزراء) لتستبدل بها مادة تجيز استخدام القوة وتقييد الحدث في الحالات التي يبدي فيها تمردا أو عنفا.
هذان التعديلان يربط مراقبون بين توقيتهما والحديث عن محاولات تجنيد الأحداث ضمن منظمات لها امتدادات إسلامية. برغم أن ذلك لم يثبت عمليا، فإن هذا التعديل لو جرى، لكان سيضرب المعادلة التشريعية، بعدما أظهرت نخب قانونية وحزبية، وحتى برلمانية، استياءها من تلك التعديلات. للمفارقة أيضا، فإن هذا القانون كان في طريق الإقرار برغم غياب رئيس الحكومة عن الجلسات البرلمانية!
وكان النائب عبد الكريم الدغمي قد اقترح خفض سن الملاحقة الجزائية للحدث عند سن السابعة «بعدما تبين استغلال الأطفال ممن يقل عمرهم عن اثني عشر عاما لارتكاب جرائم بتحريض من آخرين، وفي مقدمتها جرائم الشرف التي تشكو منها منظمات المجتمع المدني». وعقب الدغمي: «المعايير الدولية ذبحتنا»، وتابع: «مجلة الأحكام القضائية المستمدة من أحكام الفقه الحنفي تشير إلى أن من يبلغ عمره سبع سنوات مميز ومسؤول مسؤولية تامة عن أفعاله».
هكذا كان المشهد التشريعي في عمان، لكن مقترحي القانون تراجعوا عن موقفهم بعدما قلبت جلسة أول من أمس (الثلاثاء) المعادلة من جديد، وذلك عقب مذكرة من النائب عدنان السواعير طالب فيها بإعادة النظر في خفض سن الملاحقة، كما طالبت الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، المجلس، بإعادة النظر في خفض سن الملاحقة الجزائية للأحداث. وشددت في بيان لها على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الواقع الأردني «وحماية حقوق الطفل الأردني بما يتماشى مع الالتزامات الدولية». في ظل هذا المد والجزر، أعلنت الأجهزة الأمنية ضبطها سبعة أحداث، أربعة منهم فروا من دار رعاية الأحداث في محافظة معان (جنوب) التي شهدت اضطرابات أخيرا، ومن هؤلاء الأربعة حدث متهم بقتل شرطي، كما فر ثلاثة أحداث آخرين من دار تربية الأحداث في الرصيفة (بين عمّان والزرقاء)، ليؤكد بعض النواب وجود وقائع تدفعهم إلى التشدد في تطبيق تشريع جديد.
أما وزارة التنمية الاجتماعية، فطالبت بإبقاء سن المسؤولية الجزائية للحدث عند اثني عشر عاما، لكنها تحدثت عن استحداث إدارة شرطية متخصصة «تكون مؤهلة للتعامل مع الخصائص الاجتماعية والنفسية للحدث، ومنحها مجموعة من الصلاحيات الاستثنائية للحد من جنوح الأحداث». كذلك شملت التعديلات تخصيص نيابة عامة للأحداث، «وتخصيص هيئات قضائية مؤهلة للتعامل مع قضايا الأحداث بما في ذلك نظام قاضي تسوية النزاع وقاضي تنفيذ الحكم». بين التخبط في التشريع وإقرار غير المناسب، ثم مقترحات «التنمية الاجتماعية»، وردود الأفعال الكبيرة على ذلك، يظهر جليا افتقاد مجلس النواب بعد النظر في اتخاذ قرارات تتعلق بالحالة القانونية للمملكة.
في هذا السياق، يرى الصحافي راكان السعايدة أن تعديلات النواب على قانون الأحداث «تتناقضُ مع التوجهات العالمية للتعامل مع الحدث الجانح»، مضيفا: «الأصل اعتماد تشريعات تسهم في تعديل سلوك الجانح والتعامل معه على أنه ضحية للظروف المحيطة به». وتابع حديثه لـ«الأخبار»: «قانون الملاحقة الجنائية للأحداث في 2012 وقع نتيجة تفاهمات مؤسسات المجتمع المدني والحكومة ومجلس النواب، لذلك فأي تعديل يجب أن يخضع لتفاهمات مشابهة».
هذا الرأي وافقه عليه رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، المحامي عبد الكريم الشريدة، الذي قال: «معظم القوانين الذي شرعها مجلس الأمة في الآونة الأخيرة مضمونها يفيد بتقييد الحريات والتضييق على المواطن»، مضيفا لـ«الأخبار»: «لا يمكن إنكار أن التخبط واضح في عملية التشريع تحت القبة».
والدليل على هذا الارتباك أنه منذ جلسة الأسبوع الماضي، وفي ظل إصرار بعض النواب على تعديل قانون الملاحقة للأحداث، أعلن رئيس المجلس، عاطف الطراونة، أن اقتراح النائب الدغمي لم ينجح لحصوله على 32 صوتا، لكن الطراونة اضطر إلى إعادة التصويت مرة أخرى لينجح الاقتراح هذه المرة بحصوله على 38 صوتا، ثم جاءت وزارة التنمية لتعدل في الأسبوع الجاري هذا القانون بما يناسب سياسة الحكومة والتزاماتها في المعاهدات الدولية والاتفاقات مع منظمات حماية الطفل.
وأول من أمس، أعاد النواب التصويت على القانون (المادة الرابعة، ب) للمره الثالثة بعد مذكرة النائب السواعير، وفي النتيجة أبقوا النص الذي ورد في مشروع القانون، وهو «لا يلاحق جزائيا من لم يُتمّ الثانية عشرة من عمره»، كما جاء في القانون أنه «لا يحاكم الحدث إلا أمام محاكم الأحداث المختصة، وأنه يجوز للمحكمة التي تنظر قضايا الأحداث، وأنه يجب أن تفصل المحكمة في قضيا الجنح خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ورودها إلى قلم المحكمة وفي قضايا الجنايات خلال ستة أشهر».