القاهرة | انقسام جديد داخل الأجهزة المصرية ينعكس على قطاع الإعلام، هذه المرة، من خلال الفئة القريبة من رئيس المخابرات، ومدير مكتبه، والتي تستعدّ الآن لإحكام قبضتها على الإعلام بصورة أكثر تشدّداً. وبعدما كان هذا الجناح قد أعلن نهاية العام الماضي، عن مخطّط لإطلاق قناة إخبارية عالمية من مصر، فاجأ الجميع بالإعلان عن 4 قنوات دفعة واحدة، ما يُلغي دور القنوات القائمة حالياً، بما فيها قنوات التلفزيون المصري الذي بات خارج الحسابات. وأُعلن حالياً عن إنشاء قطاع للأخبار مسؤولة عنه «الشركة المتّحدة للخدمات الإعلامية»، وسيتولى رئاسته أحمد الطاهري، رئيس تحرير مجلة «روز اليوسف"، والمقرّب من الضابط أحمد شعبان. قفز الطاهري بالإعلان عن شبكة القنوات الإخبارية الجديدة، من نائب رئيس قناة «إكسترا نيوز» الإخبارية، إلى رئيس شبكة يُفترض أن تكون ميزانيّتها الأكبر، تتصدّرها قناة «القاهرة الإخبارية»، التي تنطلق بالتزامن مع استضافة مصر لمؤتمر المناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. جرى بناء استديو خاصّ بالقناة الرئيسيّة الجديدة، «القاهرة الإخبارية»، بتكلفة ملايين الجنيهات، فيما تجري الاستعانة بشباب «تنسيقية الأحزاب والسياسيين والكوادر»، الذين يعدّهم النظام عبر أذرعه المختلفة، للانخراط بشكل مباشر في إدارة القناة وتشغيلها خلال الفترة المقبلة، لضمان ولائهم، مع وضع تحذيرات حول تناول بعض الموضوعات، كما هو الوضع الحالي.وقبل أسابيع، كان الحديث عن أزمة مالية طاحنة في المجموعة المتّحدة التي تحتكر إنتاج الدراما، وتسيطر على معظم القنوات الفضائية، ويديرها بقبضة من حديد جهاز المخابرات العامة. إلا أن المجموعة التي كانت تتهيّأ للاستغناء عن عدد كبير من موظفيها في الفترة الماضية، نتيجة الأزمة المالية، فاجأت الوسط الإعلامي بالإعلان عن مشروعها الجديد بعد الحصول على «ملايين الخليج» الجديدة، وتحديداً من السعودية. وحظيت الشبكة الجديدة بدعم المملكة، الراضية عن أحمد الطاهري، المعروف بمواقفه المدافعة عن الرياض في محطّات عديدة، من مقتل الصحافي جمال خاشقجي، إلى أزمة تيران وصنافير. كما استغلّ الطاهري علاقته بمدير مكتب رئيس المخابرات، أحمد شعبان، لكي يطلب عبره دعماً للحصول على تمويل خليجي لمشاريع إعلامية، يرى جميع العاملين في هذا القطاع أنها لن تحقّق الغرض منها، ليس فقط لاعتمادها على نفس الكوادر الفاشلة التي تدير المشهد الآن، ولكن لإحجام الجمهور عنها لامتناعها عن نقل الحقيقة.
صحيح أن الشركة المتّحدة، ككيان، مملوكة للمخابرات العامة، لكن كإدارة هي أصبحت من يوم الأربعاء الماضي فقط، مقسومة داخلياً إلى إدارتين، واحدة مسؤول عنها حسن عبد الله، رئيس الشركة على المستوى الرسمي، والثانية مسؤول عنها أحمد الطاهري، والتي انطلقت رسمياً بإعلانه رئيساً للقطاع الإخباري، في مخالفة للقانون، كونه يشغل حالياً منصب رئيس تحرير مجلة «روز اليوسف» الأسبوعية، والتي يتقاضى منها آلاف الجنيهات، وفي الوقت نفسه يتقاضى أجراً من عمل خارج عمله شبه الحكومي. نقطة المخالفة القانونية الصريحة، بتقاضي الأجر من مكانين، لها ردّ بضرورة تقديم طلب توافق عليه «الهيئة الوطنية للصحافة»، باعتباره رئيس تحرير مجلة أسبوعية، لكن لم يُعلن على الأقل عن اتّخاذ مثل هذه الخطوة. وفيما يجري التضييق على الصحافيين بمواعيد الحضور والانصراف، لا يحضر الطاهري إلى المجلة سوى لساعات محدودة أسبوعياً، مكتفياً بالمتابعة عبر تطبيق «واتسآب». ويرسّخ الحديث عن الانقسام، الرسالة التي وصلت إلى جميع العاملين في المجموعة، عبر البريد الإلكتروني، وفيها إعلان وظيفة الطاهري الجديدة، وتبعيّته المباشرة لرئيس المجموعة المتحدة، من دون أن يكون قرار التعيين صادراً عن رئيس الشركة، على غرار قرارات التعيينات السابقة، فضلاً عن استخدام صيغة تبعية الطاهري لرئيس الشركة مباشرة، في إشارة إلى تبعيّته المباشرة لجهاز المخابرات، المالك الحقيقي للشركة التي يُفترض أن ينتظرها طرح قريب في البورصة المصرية.
ويحاول الطاهري تحسين صورة النظام إعلامياً، بإظهار أصوات معارضة، لكن الإعلامي الثلاثينيّ الذي كان مغضوباً عليه من النظام قبل سنوات، يحاول تهشيم المعارضين، من خلال إعطاء الفرصة لهم لإظهار خلافاتهم، من دون منحهم فرصة مقابلة لعرض توافقاتهم، مع إبراز الجوانب السلبية للديموقراطية في المجتمعات الغربية، وعرض أوضاع حقوق الإنسان من منظوره الشخصي. ويأتي الاتجاه نحو الشركة المتحدة في محاولة استعادة الدور الإعلامي المصري، في وقت اتُّخذ فيه القرار بإخلاء مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو»، وقنواته، والتوقّف عن ضخّ أيّ أموال فيه. كما يجري نقل الموظّفين إلى موقع جديد، مع استثمار المبنى تجارياً، على غرار ما سيحدث مع بعض المؤسّسات الصحافية المجاورة له على كورنيش القاهرة.