الجزائر | وقّع الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، خمسة مراسيم رئاسية تتضمّن إجراءات عفو بمناسبة الاحتفالات بالذكرى الستّين لعيد الاستقلال. وذكر بيان رئاسة الجمهورية أنه بناءً على هذه المراسيم، تستفيد من العفو خمسُ فئات تُقدَّر بنحو 15 ألف سجين ستتغيّر مدّة محكوميّاتهم بحسب الحُكم والعمر، مضيفاً أنه «يجري حالياً إعداد قانون خاص لفائدة المحكوم عليهم نهائياً، وهذا امتداد لقانونَي الرحمة والوئام المدني». كذلك، أوصى تبون بـ«إقرار إجراءات تهدئة لفائدة الشباب المتابَعين جزائياً، والمتواجدين رهْن الحبس لارتكابهم وقائع التجمهر». ولم يتّضح بعد ما إن كانت «وقائع التجمهر وما ارتبط بها من أفعال تشمل كلّ قضايا الحراك من جنايات وجنح»، وفق عضو «هيئة محامي معتقلي الرأي»، عبد الغني بادي. كما لم يتّضح إن كان القرار شاملاً المعتقَلين السياسيين في تسعينيات القرن الماضي (بعضهم تابع للجبهة الإسلامية للإنقاذ، المحظور نشاطها)، أم لا. غير أن المحامي عبد الرحمن صالح عدّ، بدوره، الحديث عن «إعداد قانون خاص لفائدة المحكوم عليهم نهائياً»، تمهيداً لإعلان «قانون خاص بمساجين التسعينيات». وأثارت قرارات تبون تساؤلات الحقوقيين والمعارضين في شأن إمكانية إنهاء قضية المعتقلين السياسيين، خصوصاً أن «الرئيس أقرّ عفواً في حقّ المعنيّين عدّة مرّات، لكنّ الاعتقالات والأحكام بالسجن والتغريم ظلّت متواصلة». واستدلّ هؤلاء بالقضايا التي ما زالت على مستوى المحاكم، حيث أيّد مجلس قضاء الجزائر، الإثنين الماضي، الحُكم بسنتَي سجن في حقّ كلٍّ من تواتي يوسف وسبيحة حامد، فيما دخل الناشط السياسي المعروف، رشيد نكاز، والمحاميان، عبد القادر شهرة وياسين خليفي، في إضراب مفتوح عن الطعام في سجن الشلف. وبحسب الحقوقي والمدوّن، زكي حناش، فإن عدد المواطنين المتواجدين في السجون (بموجب حبس مؤقّت أو حُكم نهائي)، بسبب مشاركتهم في مسيرات الحراك الشعبي أو الدعوة إلى المشاركة فيها أو توجيه انتقادات إلى السلطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بلغ حدود 300 معتقل، منهم 5 نساء، و3 محامين، و3 صحافيين، ونشطاء سياسيون وحقوقيون وطلبة جامعيون. غير أن السلطة لا تعترف بجميع هؤلاء كمعتقَلي رأي أو معتقَلين سياسيين، بل تَعدّ بعضهم أشخاصاً «امتهنوا مهاجمة السلطة على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى تواصلوا مع حركات إرهابية خارج الوطن».
وفي تعليقه على قرارات تبون، اعتبر أحد نشطاء الحراك الشعبي البارزين، ورئيس حزب «الاتحاد الديموقراطي الاجتماعي»، كريم طابو، أن الإفراج المحتمَل عن بعض المعتقلين بمناسبة عبد الاستقلال، والذي «يقدّمه بعض عملاء الأجهزة الانتهازيين على أنه إنجازهم السياسي»، «لن يغيّر في شيء من حالة الانسداد الراهنة التي تعيشها البلاد». وأضاف السجين السابق بسبب مواقفه المعارِضة للمسار السياسي منذ انتخابات 12 كانون الأول 2019، أن الأسوأ من ذلك، أنه بدلاً من التنديد بالاعتقالات التعسّفية، والمطالَبة بالإفراج غير المشروط والفوري، والإلغاء الصريح لكلّ المتابعات القضائية، وإعادة الاعتبار إلى جميع معتقَلي الحراك، فإن الأحزاب والشخصيات التي انضمّت إلى مبادرة «لمّ الشمل» (أطلقها الرئيس الجزائري)، على أمل جنْي بعض المكاسب، «وافقت على أن تكون متواطئة في جريمة إخضاع العدالة، والتي زادها خطورة، استخدامها كأداة سياسية».
أوصى تبون باتّخاذ تدابير تهدئة لصالح الشباب المتابَعين جزائياً والمتواجدين رهْن الحبس


وأعرب طابو عن اعتقاده بأن «إحدى أهمّ المشكلات السياسية الرئيسة في البلاد، مرتبطة بالضبط بهذا الاستخدام الحقير للقضاء وطاعته المطلقة لأهواء وأوامر ومزاج الأمراء»، متابعاً أنه «على عكْس هذه الأحزاب والشخصيات، فإن الحراك كان قد اعتَبر أنه من الضروري والأوّلي، الدعوة إلى دولة القانون الضامنة لاستقلالية القضاء». وأكد أن «احتجاز سجناء الرأي كرهائن، لجعلهم موضوع مساومة سياسية غير مقبول أخلاقياً... هؤلاء المعتقلون ليسوا إرهابيين ولا خارجين عن القانون، لم يرتكبوا أيّ جريمة، لقد تجرّؤوا فقط على قول حقيقة يعلمها الجميع: السلطة هي المسؤول الوحيد عن المعاناة التي يعيشها الشعب الجزائري». وشدّد طابو على أن «أيّ مماطلة أمام حتمية التغيير هي مضيعة للوقت»، داعياً إلى «حلّ الشرطة السياسية، واستعادة الحرّيات العامة، والإفراج غير المشروط عن كلّ المعتقَلين، إضافة إلى وقْف الملاحقات والمضايقات القضائية ضدّ المناضلين والصحافيين والنشطاء الاجتماعيين، ووضع حدٍّ لتدخُّل الجيش في الحياة السياسية، وفتْح ميدان النقاش واستعادة الحق في الإعلام، واتّخاذ تدابير عاجلة لتكريس العدالة الاجتماعية». ووفق طابو، فإن هذه الأمور تمثّل «بعض الشروط الأساسية لاستعادة الثقة السياسية، كمقدّمة لأيّ انخراط في أيّ مسار سياسي».