الحسكة | لا يمرّ خطابٌ لقيادات تنظيم «داعش» أو إصدارٌ صوتي أو مرئي له، من دون أن يعيد التنظيم التذكير بأن «كسر الأسوار» لا يزال الهدف العسكري الأوّل له في سوريا، في إشارة إلى ملفَّي السجون ومخيّمَي الهول وخان الجبل في المالكية في ريف محافظة الحسكة، وبأن «داعش» سيفعل كلّ ما في وسعه لإخراج مقاتليه وعوائلهم من هناك. التنظيم، وبعد نجاحه في إخراج نحو 800 من قياداته البارزة خلال الهجوم على «سجن الثانوية الصناعية» في مدينة الحسكة، بداية العام الجاري، حاول اختبار قدرات «قسد» الأمنية والعسكرية في «الهول»، وذلك من خلال شنّ هجومَين منفصلَين بأعداد محدودة، الأوّل داخل المخيم، والثاني خارجه، مع تمكّن عناصره من الفرار، والعودة إلى قواعدهم. هاتان الهجمتان أعطتا «داعش» مؤشّرات أوّلية إلى صعوبة الإغارة المباشرة على «الهول»؛ لاعتبارات تتعلّق بتمسّك «قسد» والأميركيين بهذه الورقة والحرص على عدم إسقاطها من أيديهم. ومن هنا، فقد لجأ التنظيم إلى تحريك ورقة خلاياه مجدّداً، من خلال تنشيط جهاز «الحسبة» و»الدورات الشرعية»، بعد افتتاح «مدرسة شرعية» لتعليم الأطفال أدبيات التنظيم وإيديولوجيته، ورفع راياته علناً داخل الخيام. كما صعّد «داعش» ميدانياً، من خلال شنّ هجمات محدودة داخل المخيم أو خارجه، مع ترجيح قيام خلاياه بتنفيذ 8 عمليات اغتيال خلال شهر حزيران، بحقّ رجل و7 سيدات من جنسيات سورية وعراقية، من أصل 23 عملية اغتيال منذ بداية العام الجاري، وهو ما يُعدّ من المعدّلات العالية منذ تأسيس «الهول» في عام 2015. من جهتها، وأمام هذا النشاط الملحوظ لـ»داعش» داخل المخيم، عملت «قسد» على تطويق «قسم المهاجرات» (نسبة إلى الجنسيات الأجنبية)، والذي يقطنه نحو ثمانية آلاف من عوائل التنظيم الأجانب، ومنعت دخول الطعام والدواء وصهاريج المياه إليه، في محاولة للضغط على «داعش»، لوقف أنشطته العلنية في «الهول». ولم تكتفِ «قسد» بذلك، بل عمدت إلى مداهمة القسم نفسه، المعروف إدارياً بـ»إنكس»، واعتقال عدد من السيّدات من جنسيات مختلفة، في أعقاب تنفيذ عدّة أنشطة، آخرها تسريب مشاهد لتخريج «دورة شرعية» لعدد من اليافعات من ذوي عناصر التنظيم. وهنا، يؤكد مصدر محلّي من داخل المخيم، لـ»الأخبار»، أن «قسم المهاجرات يشهد منذ نحو أسبوع توتّراً متصاعداً، نتيجة الحصار غير المعلَن الذي فرضته قسد، في أعقاب ارتفاع عدد الجرائم داخل الهول»، لافتاً إلى «قيام قسد باعتقال قيادات في داعش، من بينها القيادية البارزة أم خميرة، وهي من الجنسية الطاجاكستانية، ويُعتقد أنها على صلة مباشرة بأمير التنظيم». ويضيف المصدر أن «حملة الاعتقالات أدّت إلى حصول تظاهرات وأعمال فوضى داخل القسم، للضغط على قسد للإفراج عن المعتقَلات»، مشيراً إلى أن «قسد تتّهم المهاجرات وأولادهنّ بالوقوف خلف عمليات الاغتيال الأخيرة، فيما تتّهم قاطنات القسم عناصر حراسة المخيم بتنفيذ الاغتيالات». ويفسّر المصدر ذلك بالقول إن « عدداً من السيّدات يتّفقن مع شبكات للتهريب لإخراجهنّ من المخيم، مع دفع مبالغ كبيرة، إلّا أنهن عملياً يقعْن ضحايا لعمليات نصب، تنتهي في الغالب بقتلهنّ والتخلّص منهن، لعدم فضح تلك الشبكات».
عملت «قسد» على تطويق «قسم المهاجرات»، والذي يقطنه نحو ثمانية آلاف من عوائل التنظيم الأجانب


كلّ تلك التطوّرات في «الهول» أدّت، أخيراً، إلى تنشيط التنظيم عملياته في الريف المحيط بالمخيم، من خلال شنّ هجوم على مقرّاتٍ ومستودعات أسلحة تابعة لـ»قسد»، في قرية البواردية (15 كم) شرق الهول، مع التمكّن من الاستيلاء على كامل محتويات المستودع، وهو ما نُظر إليه على أنه تطوّر ميداني خطير، خصوصاً أن «داعش» قد يلجأ إلى استخدام الأسلحة التي استولى عليها في البواردية، لتكثيف الهجمات على المخيم، أو حتى تنفيذ تهديداته بشنّ «غزوة» تهدف إلى فكّ احتجاز عوائله هناك. وفي هذا السياق، تَكشف مصادر مطّلعة، لـ»الأخبار»، أن «داعش ينسّق مع شبكات تهريب تنشط داخل المخيم، لإخراج نحو 30 سيدة وطفلاً، من زوجات وأطفال قياديين بارزين في التنظيم، مقابل دفع مبلغ مادي كبير»، مضيفة أن «داعش أوصل رسائل شفهية إلى قسد، عبر سيدات في قسم المهاجرات تحدّثن إلى عناصر حراسة المخيم، بأنه في حال لم يتمّ تسهيل عمليات إخراج عدد من السيدات والأطفال، فسيلجأ إلى إخراجهم بالقوة، عبر شنّ هجوم واسع على الهول». وترجّح المصادر أن تكون «عمليات الاعتقال التي قامت بها قسد داخل قسم الأجانب في المخيم، ردّاً على التهديدات من قيادات التنظيم، ولإثبات عدم خضوعها لرغباتهم»، معتبرة أن «من مصلحة قسد الاستفادة من أيّ تصعيد إضافي لداعش، للتذكير بأن أيّ هجوم تركي محتمل على الحدود، سيجعل من مهمّة حماية المخيم صعبة، في ظلّ توجيه كلّ قدراتها العسكرية لصدّ الهجوم هناك».