القاهرة | مع اشتداد الخلافات السياسية في مصر منتصف عام 2013، وتعاظُم المعارضة في وجه حُكم الرئيس الراحل محمد مرسي، دعا وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، إلى حوار وطني ترعاه القوات المسلّحة، وهو ما جرى بالفعل ومهّد لتحرّكات «30 يونيو» التي أطاحت بمرسي، وفتح الباب أمام السيسي ليترقّى سريعاً من فريق أول إلى مشير، فرئيس في عام 2014. كان يُفترض بـ«الجنرال» مغادرة منصبه بحلول عام 2022، بموجب الدستور الذي انتُخب على أساسه، والذي أعدّته لجنة ضمّت مختلف الأطياف التي شاركها حوار 2013 وجرى إقصاؤها في ما بعد، بدءاً من محمد البرادعي، ومروراً ببقيّة التيّارات السياسية التي اضطرّ بعض ناشطيها للهرب والإقامة في الخارج لفترات زمنية خشية التوقيف. اليوم، يجدّد السيسي دعوته إلى حوار هدفه الأساسي تمديد بقائه في السلطة، على رغم الإخفاقات الاقتصادية والديون التي باتت تشكّل نحو ثلث موازنة الدولة، وموجة التضخّم المرتقبة، والتي لن تردعها المساندات الخليجية.
الفارق بين حوار «30 يونيو» وحوار اليوم، أن السيسي أراد للشعب في حينه التمرّد من أجل استعادة الجيش السلطة، بعدما اضطرّ لتسليمها إلى مدني للمرّة الأولى منذ ثورة 1952؛ فيما الحوار الذي دعا إليه منذ نهاية نيسان الماضي ولم يبدأ بعد، يبدو جزءاً من محاولته الحفاظ على «شرعية» النظام داخلياً، تزامناً مع تنازلات السلطة المتعدّدة من أجل تحسين صورتها الحقوقية، وتجنّب الانتقادات التي قد تُوجّه إليها في «قمّة المناخ» في تشرين الأول المقبل في مدينة شرم الشيخ. ولكن في الواقع، لا يَظهر أن ثمّة اختلافاً جوهرياً بين الحوارَين؛ إذ إن الأوّل انتهى إلى دعم الجيش للتظاهر من أجل إسقاط النظام، في حين أن الثاني سيُعقَد خدمةً للسيسي ونظامه والحفاظ على استقراره داخلياً.
الأفق المفتوح نظرياً لحوار 2022، إنّما هو مقيّد عملياً بعدم استعداد النظام لتقديم تنازلات


وتستهدف جلسات الحوار المرتَقب، حلحلة الجمود السياسي، في ظلّ الاستعداد لانتخابات 2024، والتي قد تسبقها، أو تليها مباشرة، تعديلات دستورية تُجيز للسيسي الإمساك بالسلطة حتى عام 2034، وتمنحه صلاحيات أكبر ضمن أجهزة الدولة المختلفة، بما في ذلك القضاء، إلى جانب العديد من الامتيازات التي ستُمنح للقوات المسلّحة، وبنود متعلّقة بالحرّيات ستبقى حبراً على الورق في انتظار إقرار قوانين في برلمان سيكون متحكَّماً به من قِبَل السلطة، وجهاز المخابرات على وجه الخصوص. إلّا أن الأفق المفتوح نظرياً لحوار 2022، إنّما هو مقيّد عملياً بعدم استعداد النظام لتقديم تنازلات تُظهر المعارضة وكأنّها انتصرت، في ظلّ محاولات لبثّ خلافات في صفوفها، استهدفت عدّة أحزاب سياسية في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها حزب «الوفد».
وعلى رغم أن السيسي شارك في حوار 2013 بنفسه بصفته وزيراً للدفاع، إلّا أنه سيكتفي هذه المرّة بمندوبيه ومساعديه وبالشخصيات التي اختيرت للأمانة العامة للحوار للاستماع إلى المطالب، وهي شخصيات داعمة للنظام بغالبيتها، ولكنها لم تتورّط في الإساءة إلى المعارضة. والظاهر أيضاً أن اختيار جزء من المسؤولين مردّه إلى تمتّعهم بقنوات تواصل مع الخارج، وهذا ما يفسّر مثلاً اختيار رئيس «الهيئة العامّة للاستعلامات» المسؤولة عن تحسين صورة الدولة في الخارج، ضياء رشوان، ليكون منسّقاً للحوار؛ إذ إن للرجل علاقات مباشرة مع مسؤولي الصحف الأجنبية، ليس بحُكم عمله في الهيئة فقط، وإنّما أيضاً بصفته نقيباً سابقاً للصحافيين. كذلك، اختيرت صحافية غطّت أخبار المؤسّسة العسكرية لتكون ضمن الأعضاء، بمثابة عين مراقِبة على ما يدور في الاجتماعات المغلَقة المقرَّر عقدها قريباً.