تونس | بوتيرة متسارعة، عادت أنباء القبض على «إرهابيين» أو تحييد «الخلايا الإرهابية» في مواقع حسّاسة في تونس، خصوصاً في العاصمة والساحل - مركز الثقل السياحي في هذه الآونة -، لتتصدّر العناوين وبلاغات وزارة الداخلية. ويُفهَم من البلاغات الرسمية أن الخلايا التي جرى تفكيكها تجاوزت مرحلة التخطيط اللوجستي إلى مرحلة التنفيذ، حيث انتقل عناصرها من الجبال نحو المراكز الحيوية، متأمّلين في استغلال الفوضى السياسية لصالح مخطّطاتهم. على أن هذه الأنباء، على أهمّيتها، لم تتمكّن من جمْع التونسيين على كلمة واحدة، إذ برزت أصوات مُشكّكة في صدقيّتها، معتبرة الحديث عن الإرهاب «مجرّد فزاعة» تستعملها السلطة لإخافة الجماهير المناهضة للرئيس قيس سعيد، وذلك على رغم الثمن الباهظ الذي كانت دفعته تونس في معاركها مع الجماعات الإرهابية، فضلاً عن تحوّلها، في فترة معيّنة، إلى بلد موصوم عالمياً بتصدير الإرهابيين. ولم تقتصر موجة التشكيك على إعلانات تفكيك الخلايا، وإنّما شملت أيضاً إعلان وزارة الداخلية قبل أيام، وجود مخطّط لاغتيال رئيس الجمهورية، إذ سرعان ما خرجت حركة «النهضة» لتُشكّك في تلك الرواية، داعية إلى إبراز الأدلّة على صحّتها، ومعلِنة في الوقت نفسه رفضها أيّ عمل يمسّ بسلامة سعيد. وجاء ذلك في وقت تتصاعد فيه حدّة الخلاف بين الحركة وسعيد، على خلفية توقيف رئيس الحكومة الأسبق والرئيس الأسبق لـ«النهضة»، حمادي الجبالي، بتهم تتعلّق بتبييض الأموال، وغياب التقارير الرسمية حول تمويل جمعية خيرية يديرها تُدعى «نماء».
يأتي الجدال حول المسائل الأمنية والقضائية ليُشوّش على ذلك المتّصل بمسار إقرار الدستور

والظاهر أن «النهضة» ستحاول، بأقصى ما تملك، استثمار هذا التطوّر في حشد التعاطف معها؛ إذ اعتبرت إيقاف الجبالي اختطافاً، ثمّ أعلنت دخوله في إضراب عن الطعام. وكانت الحركة سلكت المسار نفسه لدى اعتقال رئيس كتلتها النيابية، نور الدين البحيري، وإخضاعه للإقامة الجبرية، حيث اتّهمت السلطات بتعذيبه وتعريضه لخطر الموت. على أن الجبالي والبحيري ليسا وحدهما مَن تعرّضا للتوقيف؛ إذ يَجري أيضاً التحقيق مع قيادات من أحزاب أخرى على غرار حزب «تحيا تونس» الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، فضلاً عن شخصيات رافقت رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد، في قضايا ظلّت كلّها مفتوحة منذ سنوات، من دون الحسم فيها.
ويأتي الجدال حول المسائل الأمنية والقضائية ليُشوّش على ذلك المتّصل بمسار إقرار الدستور، الذي صاغته اللجنة المُشكَّلة من قِبَل سعيد. وفي آخر تطوّرات هذا المسار، حدّد الرئيس، عبر هيئة الانتخابات، حدود النقاش حول الدستور، وهويّة من يحقّ لهم الانخراط فيه، في ما يمثّل «بدعة» تونسية خالصة. ويشترط سعيد على الراغبين في المناقشة التقدُّم إلى الهيئة وإبداء رغبتهم هذه، ومن ثمّ جمع تواقيع مسانديهم في كلّ منطقة، وفي حال لم يتمّ لهم المطلوب، فسيتعرّض مَن يخوض منهم في هذا الحديث، لعقوبات يصل بعضها إلى السجن. وهكذا، يجري تقييد الحوار العام حول مسألة مفصلية في تقرير مصير البلاد، ليُدعى التونسيون، بعد بضعة أسابيع، إلى التصويت على دستور جديد يكادون لا يعملون منه إلّا بعض الخطوط العريضة.