على رغم الإشكاليات المحيطة بالعمل في الداخل المحتلّ، إلّا أن السماح لـ15 ألفاً من عمّال قطاع غزة بدخول «مدن العمق» عقب معركة «سيف القدس»، شكّل «طاقة القدَر» لمئات الآلاف من أبناء الطبقة المسحوقة، والذين طحنهم الفقر طوال 15 عاماً. يقول الشاب محمد سحويل: «منذ أشهر، قدّمْت أوراقي لدى وزارة العمل، إلّا أن تزاحم الآلاف على هذه الفرصة، وإجراءات الاحتلال بإعطاء الأولوية لفئات عمرية دون أخرى، جعلني أنتظر التصريح عاماً كاملاً من دون نتيجة». ويضيف سحويل، الذي يعمل في مجال البناء، في حديثه إلى «الأخبار»: «نُصدم اليوم بأن حصّة العمال وصلها فساد السلطة أيضاً، إذ يُحرم أولادنا من قوت يومهم لمصلحة بعض المتنفّذين (...) ما يحدث جريمة». وكان وكيل وزارة العمل في غزة، إيهاب الغصين، قد كشف، في مقابلة صحافية، عن إصدار وزارة الشؤون المدنية في رام الله أكثر من ألف تصريح، لصالح موظفّين على قيد العمل في الأجهزة الأمنية والحكومة التابعة للسلطة، يقيمون في غزة. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن عدداً من هذه التصاريح مُنحت لصالح أصحاب رُتب عليا مِن مِثل عميد ورائد، واستخدمها بعض هؤلاء لزيارة الضفة والسياحة، فيما عمل آخرون بها في مهن يطلبها سوق العمل في الداخل. ولم ينفِ إياد نصر، وهو مدير عام «الشؤون المدنية» في القطاع، ما ذكره الغصين، مُلقياً، خلال مقابلة إذاعية، باللوم على الأجهزة الأمنية في غزة، والتي كان بمقدورها منْع غير المستحِقّين من السفر بتصريح عمل، لكنّها لم تقم بذلك، متحجّجاً في الوقت نفسه بأنه لا يمتلك كشوفاً تُظهر الأوضاع الوظيفية لطالبي التصاريح، علماً بأن السجلّ المدني لسكّان القطاع كافة، منشور على عدّة مواقع إلكترونية، فضلاً عن تَوفُّر نسخ مفصّلة ومحدّثة منه لدى الوزارات والهيئات الرسمية جميعها.
إزاء ذلك، يرى المحلّل السياسي، مصطفى الصواف، أن الدور المنوط بنصر هو أن «لا يسمح بهذا التجاوز، لا أن ينتظر الأجهزة الأمنية في غزة لتقوم بوظيفته»، واصفاً «حصول الموظفين على تصاريح العمّال الغَلابة» بأنه «جريمة يجب أن يحاسَب عليها هو والذي يمثّل رأس الهرم في الشؤون المدنية، إذ كان يعلم بذلك». ويَعتبر الإعلامي ماجد الزبدة، بدوره، أن «استخدام تصاريح العمال في حسابات حزبية ضيّقة ولمصالح شخصية لمتنفّذين في فتح والسلطة، ما هو إلّا قمّة جبل الجليد لِما يدور في أروقة الهيئة التي يرأسها حسين الشيخ، من استصدار آلاف التصاريح من دون حق، في مقابل حرمان الآلاف من مرضى وعمّال غزة بذريعة الرفض الأمني من الاحتلال». ويَلفت الزبدة، في منشور على «فيسبوك»، إلى أن «هذه الوقائع تُعزّز ما كشفه تقرير مؤسّسة (أمان) للنزاهة ومكافحة الفساد عام 2021، حيث ذكر أن الواسطة تنتشر في مؤسّسات السلطة بنسبة 22%، واختلاس الأموال العامة بنسبة 16%، أمّا الرشوة فبنسبة 16%، فيما يُساء استعمال السلطة بنسبة 13%».
مُنحت بعض التصاريح لأصحاب رُتب عليا في السلطة مِن مِثل عميد ورائد


فصائليّاً، دانت «حركة الجهاد الإسلامي» سرقة تصاريح العمّال، وقال القيادي فيها، خضر حبيب، إن «الأصل أن تُتاح هذه الفرصة للعاطلين عن العمل، أمّا صدور التصاريح للموظفين، فهو سطو على حقوق هذه الفئة، ويدلّل على عدم عدالة أجهزة السلطة في رام الله، والمكلَّفة بمتابعة الشؤون المدنية». وعدّ رئيس «الاتحاد العام لنقابات العمال» في القطاع، سامي العصمي، بدوره، «ما جرى جريمة جديدة تُضاف إلى سلسلة من الجرائم التي ترتكبها السلطة بحق غزة». وأضاف العصمي، في بيان وصلت «الأخبار» نسخة منه، أنه إلى جانب مماطلة الاحتلال وابتزازه القطاع في هذا الملفّ، فإن «الضربة جاءت من الشؤون المدنية والسلطة الفلسطينية عبر استصدار تصاريح لشراء ذمم قيادات فتحاوية داخل غزة». وشدّد على أن «هذه جريمة لا بدّ أن يحاسَب عليها كلّ من يثبت له ضلع فيها»، مشيراً إلى أن «92 ألف عامل سجّلوا للحصول على تصاريح في غزة، وفي النهاية ذهبت إلى موظّفي السلطة»، مطالِباً «اللجنة الإدارية» في القطاع بسحب هذه التصاريح، ومحاسبة الأشخاص المتورّطين؛ لأن «العامل المحاصَر منذ 16 سنة، ينتظر نصف فرصة عمل، ولا يجوز لأحد أن يستولي عليها في إطار شراء الذمم».
يُذكر أن وزير الجيش الصهيوني، بيني غانتس، تراجَع، أخيراً، عن زيادة حصّة تصاريح العمل الممنوحة لغزة بواقع 2000 تصريح إضافي، عقب إطلاق قذيفة صاروخية من القطاع.