مع إشارة عقارب الساعة إلى التاسعة من صباح يوم الإثنين (أول من أمس)، شقّت رشقة صاروخية بدأت بها «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، اليوم الختامي من مناورة «عزم الصادقين»، صمْت قطاع غزة. المناورة التي شاركت فيها عدّة تشكيلات عسكرية، امتدّت لأوّل مرّة على طول الشريط الساحلي للقطاع، والذي أُعلن «منطقة عمليات مغلقة»، فيما أكد الناطق الإعلامي باسم «السرايا»، أبو حمزة، أن التدريبات تأتي «استكمالاً للإعداد والتجهيز، واستعداداً لأيّ معركة مقبلة»، وهي «تُحاكي عمليات ميدانية متعدّدة، بمشاركة عدّة تشكيلات عسكرية، أبرزها الوحدات الصاروخية والمدفعية». ووفقاً لمصادر في «السرايا» تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «المناورة التي شارك فيها المئات من المقاتلين، جاءت في سياق عملي لرفع الجهوزية للقتال، خصوصاً أن المقاومة لم تَخُض منذ معركة سيف القدس أيّ معركة بين الحروب، بينما كان العام الماضي حافلاً بجملة من التطوّرات التقنية في مجال الصواريخ، والتكتيكية في أساليب القتال، والتي تطلّبت إجراء مناورة للوقوف على الثغرات واستخلاص العِبر والنتائج». ويقرأ محمد منصور، وهو صحافي مقرّب من «الجهاد» استطاع مواكبة الحدث الذي لم يُسمح لوسائل الإعلام بتغطيته، المناورة في إطارَين اثنين، أوّلهما تبديد مزاعم رئيس وزراء الاحتلال، نفتالي بينت، الذي ادّعى في حديثه إلى مستوطنيه أن «المقاومة في غزة في أضعف حالاتها»، «مستنداً إلى أوهامه بحرمان المقاومة من خطوط الإمداد والدعم الخارجي». وفي هذا الإطار، أثبتت كثافة القذائف الصاروخية التي انطلقت في إطار التجريب من شمال القطاع وجنوبه ووسطه، أن «المخزون الصاروخي للمقاومة يعيش حالة من الترف، إذ تَصنع المقاومة بإمكاناتها المحلية ما يكفيها لسنوات». أمّا الإطار الثاني، فهو الاستجابة العملية لتوجيه الأمين العام لـ«الجهاد»، زياد النخالة، الذي أكد أن حركته لن تقبل «بهذا الإذلال المستمرّ»، مشيراً بذلك إلى الممارسات الإسرائيلية المستمرّة بحقّ الأسرى، وسياسة الاغتيالات التي لا تزال تُطاول المقاومين في مدن الضفة.
بدوره، يرى الكاتب والمحلّل السياسي، ثابت العمور، أن المناورة جاءت في وقت شديد الحساسية، حيث «تستغلّ إسرائيل التطبيع العربي وتُسرّع تغوّلها في الضفة والقدس»، كما «تتزامن مع زيارة (الرئيس الأميركي، جو) بايدن للمنطقة وفي جعبته أجندة محمّلة بالألغام». ويؤكد العمور، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الإسرائيلي راقب المناورة عن كثب، ولا بدّ أنه قرأ فيها جملة من المعطيات أبرزها: فائض المقدّرات والصواريخ الكبير الذي تمتلكه السرايا، لأن هذا التدريب اشتباك لا نشاط تجريبي؛ والتطوّر في تشكيلات السرايا، خصوصاً أنها دفعت فيها بعدد كبير من جنود النخبة، الذين عملوا في إطار تنسيقي يشابه الجيوش النظامية». ويقرأ العمور المناورة، أيضاً، في سياق معنوي جماهيري، إذ تُساهم هكذا نشاطات في بعث رسالة طمأنة إلى حاضنة المقاومة، خصوصاً بعد حالة الإحباط التي تولّدت إثر «مسيرة الأعلام» الأخيرة، قائلاً: «أرادت المقاومة أن تقول إن ثمّة تقديرات ضَبطت ردّة الفعل، لا تتعلّق مطلقاً بالإمكانات اللوجستية، ما يعني أن المقاومة ما زالت جاهزة لأيّ معركة مقبلة».
ويَنظر الباحث السياسي، إسماعيل محمد، من جهته، إلى الحدث من منظار «استراتيجية الأمين العام للجهاد الإسلامي الخاصة»، والتي أشار إليها بيان الناطق الإعلامي باسم «السرايا» بمفردة «المشاغلة». ويوضح محمد، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «النخالة ينتهج سلوكاً مقاوماً قائماً على المشاغلة المستمرّة، أي عدم السماح باستقرار العدو؛ فهو، إن لم يستطع أن يطلق الصواريخ الآن، يريد أن يُبقي حالة التهديد النفسي قائمة»، مضيفاً أن «على المجتمع الإسرائيلي أن يدرك أن إجراءات احتواء المقاومة في غزة أو تقييدها، عبر جزرة الامتيازات الاقتصادية التي يلوّح الاحتلال مراراً بسحبها، لا مكان لها في عقلية المقاومة، أو على الأقلّ، النخالة الذي أعطى التوجيه بأن تقوم السرايا بالمناورة منفردة». وبناءً على ما سبق، يتوقّع محمد أن «لا تستمرّ حالة الهدوء في القطاع طويلاً، ليس لأن ممارسات الاحتلال أكبر من أن تُحتمل فقط، إنّما لأن ثمة تبايناً في طريقة ممارسة المقاومة لفعلها، بين المعارك التي يَفصل بينها فارق زماني، وبين الاستنزاف، وهذا الواقع صحّيٌ بالمعنى الوطني، وإن بدا غير ذلك في سياقات أخرى».