ولم تصمد الهدنة إلّا بضع ساعات، قبل عودة الاشتباكات العنيفة، والتي تخلّلتها خسائر وصفتها المصادر بأنها كبيرة، بعد سقوط أكثر من 10 قتلى (لا توجد أرقام دقيقة من مصادر محايدة)، بالإضافة إلى عشرات الجرحى، وحركات نزوح جماعية من بعض سكان بعض القرى التي لا تزال تشهد مواجهات عنيفة بالأسلحة الثقيلة، وتبادل للقصف. وتأتي هذه التطورات استكمالاً لمسلسل الاقتتال الفصائلي الذي مَلَّته تركيا، وفق ما تسرّب من لقاءات أمنية عقدها مسؤولون أتراك مع الجولاني في إدلب، وأخرى مع الفصائل في ريف حلب، الأمر الذي يهدّد الصورة التي تحاول أنقرة رسمها لمناطق سيطرتها، ولمشروع إعادة توطين اللاجئين الذي تسوّق له وتعمل على تنفيذ أجزاء منه بدعم من قطر، وبعض المنظمات.
وتسبّبت حالة الفلتان الأمني في مناطق سيطرة الفصائل بـ«مقتل 146 شخصاً، بينهم 57 مدنياً و12 طفلاً، وتسجيل نحو 100 اقتتال وتفجير، وأكثر من 400 حالة اعتقال واختطاف وما لا يقلّ عن 530 انتهاك آخر»، خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، وفق تقرير أصدره «المرصد السوري» المعارض، حمل عنوان «تحقيق شامل حول منطقة إردوغان الآمنة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022». وهي أرقام اعتبرتها مصادر ميدانية، في حديث إلى «الأخبار»، بأنها أقلّ من الواقع، بسبب عدم القدرة على تسجيل وتوثيق جميع الانتهاكات، وخاصّة التي تقع في قرى صغيرة نائية.
مسلسل الاقتتال الفصائلي يهدّد الصورة التي تحاول تركيا رسمها لمناطق سيطرتها
وتعيد المعارك الصغيرة الجانبية بين الفصائل التابعة لتركيا، والاقتتال المستمرّ رسمَ خريطة السيطرة في تلك المناطق بما يتوافق مع الرؤية التركية لتوحيدها، حيث تفسح أنقرة المجال أمام هذه المعارك التي تلتهم خلالها الفصائل نفسها، بما يسمح للجولاني بـ«التمدُّد» بشكل سلس ومتسلسل من دون مواجهات كبيرة، وخصوصاً بعد نجاحه، وفق أنقرة، في تشكيل قبضة أمنية في إدلب خفّضت مستوى الفلتان الأمني. ويفسّر هذا ميْل تركيا لدعم المشاريع السكنية في ريف إدلب قرب حدودها، والتمهّل في دعم المشاريع المماثلة في مناطق سيطرتها في ريفَي حلب والرقة، والتي تسير فيها عمليات البناء ببطء، على رغم تعمُّد تركيا تسليط الضوء عليها من وقت إلى آخر، وآخرها الزيارة التي أجراها وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، لمدينة تل أبيض في ريف الرقة أول من أمس السبت، حيث اطلع على المخطّطات السكنية التي ترغب بلاده في إقامتها ضمن ما سمّاه خطة «العودة الطوعية للاجئين»، والتي تهدف تركيا من خلالها إلى ضرب عصافير عدّة بحجر واحد: استثمار قضيّة اللاجئين في الانتخابات الرئاسية التركية، وتشكيل طوق سكني قرب حدودها يضمن لها إبعاد الأكراد، وتثبيت موطئ قدم لها عبر ربط هذه المناطق بتركيا، وهو ما يفسّر زيارة وزير الداخلية لهذه المناطق، وليس أيّ مسؤول عسكري أو أمني تركي آخر.