تونس | ليوم الخميس تاريخ طويل في تونس مع الاضطرابات والاحتجاجات الاجتماعية. وقد اعتاد «الاتحاد العام التونسي للشغل»، من جهته، اختيار هذا اليوم كلّما أقرّ تحرّكاً احتجاجياً وطنياً، فيما بدا تحرّك الأمس من النوع الذي يذهب إليه مع انتهاء كافة سبل التفاوض والحوار مع الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011. ويجزم الاتحاد أن الإضراب كان «ناجحاً»، إذ سجّل بحسبه نسبة مشاركة بلغت 96.22 في المئة من الموظفين العاملين في 159 مؤسسة حكومية، بينها قطاع النقل بجميع فئاته. وتتمثّل مطالب الاتحاد في سحب منشور حكومي تضمّن دعوة رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، المسؤولين في الوزارات إلى «ضرورة التنسيق بصفة مسبقة مع رئاسة الحكومة وعدم الشروع بالتفاوض مع النقابات، سواءً في ما يخصّ مجال الوظيفة العمومية أو المؤسّسات والمنشآت العمومية إلّا بعد الترخيص في ذلك من قِبلها»، وهو ما اعتبرته المنظمة العمّالية ضرباً للعمل النقابي. ويعدّ هذا المنشور سابقة في تاريخ البلاد، وبدا خطوة استباقية من الحكومة في سياق «الإصلاحات الاقتصادية» التي نُشرت عناوينها قبل أيام، وتضمنت العزم على البدء في إعادة «توجيه الدعم إلى مستحقّيه من العائلات الفقيرة ومتوسطة الدخل»، إلى جانب مراجعة أجور موظفي القطاع العام.كما يطالب الاتحاد بتطبيق جميع اتفاقاته مع السلطة التنفيذية، إضافة إلى «الشروع الفوري» في مفاوضات اجتماعية «تفضي إلى ترميم المقدرة الشرائية للموظفين والعاملين». وفي البيان الذي أعلن إقرار مبدأ الإضراب العام، أوضحت المنظمة أن الإضراب يأتي بسبب «تعمّد الحكومة ضرب مبدأ التفاوض، والتنصّل من تطبيق الاتفاقات المبرمة، وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية». ويدعو الاتحاد، أيضاً، إلى الشروع في إصلاح المنشآت والمؤسسات العمومية «حتى تلعب دورها الاقتصادي والاجتماعي»، وعدم اللجوء إلى الخصخصة الجزئية أو الكليّة للمؤسسات العمومية بناءً على اتفاق موقع بين السلطة التنفيذية والمنظمة العمالية عام 2018. كما يدعو إلى إلغاء «المساهمة التضامنية 1%» التي يجري اقتطاعها من أجور الموظفين والأجراء منذ 2017.
الاتحاد لـ«الأخبار»: الإضراب تحرّك عادي، وهو أبغض الحلال عندنا


وفي خطاب ألقاه أمام مقرّ الاتحاد في وسط تونس، قال الأمين العام، نور الدين الطبوبي، إن العمّال التونسيين «ضربوا اليوم (أمس) موعداً مع التاريخ رغم الهجمة التي تستهدف المنظّمة من قِبل الميليشيات والمرتزقة»، في إشارة إلى حملات إعلامية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وانتقد الطبوبي حكومة بودن، معتبراً أنها «تلتزم بتعهّداتها مع الدائنين في الخارج، ولا تفي بالتزاماتها واتفاقاتها مع اتحاد الشغل»، ودعاها إلى «مصارحة الشعب التونسي ونشر الوثيقة التي قدّمتها إلى صندوق النقد الدولي». وفيما أكد أنّ منظمته «تساند الإصلاحات التي تخدم مصلحة العمال»، حذّر من أن «المسّ بالقطاع العام سيكون على جثثنا». كما انتقد الطبوبي «الحوار الوطني» الذي دعا إليه رئيس الجمهورية بداية شهر أيار، ورأى أنه «لا يمثّل مخرجاً أو حلاً لتونس». وكان أمين عام الاتحاد أكد، في تصريحات سابقة، أن الإضراب العام «ليس سياسياً»، وهو ما فُسّر في حينه بأنه خطوة من المنظّمة لعدم تصعيد المواجهة مع سعيّد.
وفيما يرجّح أنّ هذا التحرّك ستليه إضرابات وتحرّكات أخرى في حال لم تستجب الحكومة لمطالب الاتحاد، فقد بدا منذ إعلان موعده في نهاية الشهر الماضي، أن المنظمة تركت الباب مفتوحاً لإلغائه، بخاصة أنها دخلت في جلسات تفاوضية مع حكومة بودن، ولكنها لم تصل إلى نتائج إيجابية. وفي حديث إلى «الأخبار»، أوضح الأمين العام المساعد للاتحاد، سامي الطاهري، أن «جلسة التفاوض الأخيرة مع الحكومة كانت قد شهدت أخذاً ورداً، ثمّ تراجعاً من طرف الوفد الحكومي المفاوض». وأشار إلى أن الطرفين «توصّلا إلى اتفاق بسحب المنشور 20، وتمّ تدوين ذلك في محضر جلسة، إلا أنّ أطرافاً ضغطت على الوفد الحكومي وتمّ محو هذا الاتفاق، ما أدى إلى فشل الجلسة وإقرار الإضراب العام». وتحدّث الطاهري عن «وجود شقّين في الحكومة، أحدهما داعم للتوصّل إلى اتفاق مع الاتحاد، فيما الثاني غير راغب بالتوصل إلى اتفاق على اعتبار أنه متيقّن من أن الإضراب سيمرّ بلا نتائج». وتساءل: «إن لم تستطع الحكومة التفاوض داخلياً، فكيف ستتفاوض خارجياً؟»، مضيفاً أن «المفاوضات بهذا الشكل لا يمكن أن تنجح، وإن لم تنجح فلا سبيل إلى تحقيق استقرار اجتماعي».
وبينما يتحدّث مراقبون حالياً عن «حرب قادمة» بين المنظمة النقابية وقيس سعيّد وحكومته «ومراسيمه الرئاسية»، فإن خطاب التهدئة لا يزال حاضراً في تصريحات قيادات الاتحاد، إذ قال الطاهري لـ«الأخبار»، إنه «لا مجال لخوض إضرابات بأيام أو أسبوع مراعاةً لمصلحة البلاد... وندعو السلطة إلى الحوار فعلاً لا قولا»، خاتماً بأن «الإضراب تحرّك عادي، وهو أبغض الحلال عند النقابيين».