الخرطوم | قادت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، مولي فيي، التي تزور الخرطوم حالياً، والسفير السعودي في الخرطوم، علي بن حسن الجعفري، جهوداً حثيثة، أوّل من أمس، لإقناع «قوى الحرية والتغيير» بالاجتماع مع ممثّلي العسكر، في جلسة مفاوضات غير رسمية يحضرها الوفد الأميركي، على أن لا تكون بديلاً من الحوار الذي تقوده «الآلية الثُّلاثية»، وفق ما أوضحت السفارة الأميركية. ولم يكن مفاجئاً للمتابعين قبول تلك القوى الدعوة الأميركية، والذي برّرته بسعيها إلى «إنهاء الانقلاب». وكانت «الحرية والتغيير» رفضت المشاركة في جلسة المفاوضات الأولى التي عقدتها «الثُّلاثية»، والتي هدفت، بحسبها، إلى «شرعنة الانقلاب وبناء حاضنة سياسية متحكّم بها لتقسيم السلطة بعيداً عن أهداف الثورة». وبرّر الائتلاف، في بيان صدر في وقت متأخّر من مساء الخميس، عدوله عن موقفه بأن «لديه ثلاث وسائل لهزيمة الانقلاب، هي الثورة الشعبية، والتضامن الدولي، والحلّ السياسي المفضي إلى تسليم السلطة إلى المدنيين». وأوضح البيان أن «قبول الجلوس مع العسكر هو سعي من الحرية والتغيير إلى كسب دعم دولتَين مؤثرّتَين في الإقليم - الولايات المتحدة والسعودية -، بالإضافة إلى السعي لإيقاف المسار الرامي لشرعنة الانقلاب». وأشار الائتلاف إلى أنه أبلغ «الوسطاء» أن «استحقاقات تهيئة المناخ السياسي لم تكتمل، وبدونها لن تنجح أيّ عملية سياسية»، معلِناً أنه «سيسلّم رؤية واضحة حول إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة للشعب لكلّ من الآلية الثُّلاثية والمجتمع الدولي والأطراف الإقليمية، بعد التشاور مع حلفائه من قوى الثورة». وإذ نفى نيّته احتكار تمثيل هذه القوى، فقد جدّد دعوته إيّاها إلى «التوحّد، ووضع رؤية مشتركة، وتعبئة الجماهير».
تُستأنف اليوم جلسات «الحوار الوطني» بحضور «الآلية الثُّلاثية»

وفيما ظلّت «لجان المقاومة» على تمسّكها بلاءاتها الثلاث (لا تفاوض، لا مساومة، لا شراكة)، تفاوتت ردود الفعل إزاء موقف «الحرية والتغيير»، بين مَن رآه خطوة على طريق «وضع حدّ لتمدّد الإسلاميين وسيطرتهم على مفاصل الدولة»، وخياراً أفضل من النأي بالنفس، وبين مَن اعتبره «تراجعاً ناعماً» عن مبدأ رفض الانقلاب. ورأى الرافضون أن هذا الموقف ليس غريباً على الائتلاف، وإنّما هو تكرار لما حدث في تموز 2019، عندما قبلت القوى السياسية نفسها بالجلوس مع اللجنة العسكرية بعد مجزرة فضّ الاعتصام، والتي راح ضحيّتها المئات من المعتصمين أمام باحة القيادة العامة. ويعتقد مراقبون أن حديث «الحرية والتغيير» عن إمكانية إنهاء الانقلاب عبر الجلوس مع العسكر، يبدو «ضرباً من الخيال»؛ إذ من شبه المستحيل أن يسلّم القادة العسكريون أنفسهم إلى العدالة. ويشبّه هؤلاء الموقف الحالي للائتلاف المعارض، بموقف رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، حينما قبل العودة إلى منصبه بعد الانقلاب «حقناً للدماء وحفاظاً على المكتسبات التي حقّقتها الثورة وخشية عودة الإسلاميين»، كما جرى تبريرها، وهو ما لم يحدث البتّة، الأمر الذي حمل حمدوك في نهاية المطاف على الاستقالته. ولا يستبعد المراقبون أن تُلاقي «الحرية والتغيير» المصير نفسه، نتيجة الرفض الكبير المُتوقّع لها من «الشارع الثوري».
وجاءت تلك التطوّرات عشيّة استئناف جلسات «الحوار الوطني» اليوم، بعدما كانت حالة من الإحباط أصابت «الآلية الثُّلاثية» (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد)، بسبب إحجام القوى الفاعلة عن المشاركة في جلسة الأربعاء الماضي. وبدا من إصرار «الثُّلاثية» على إطلاق الحوار على رغم مقاطعة معظم القوى السياسية له، وجود نيّة لفرْض أمر واقع، وإظهار تلك القوى أمام «المجتمع الدولي» على أنها المتسبّب باستمرار الأزمة. لكن ما حدث هو أن هذه المقاطعة أظهرت «الثُّلاثية»، بحسب البعض، كمَن يريد صياغة تسوية سياسية كيفما كان، تمهيداً لترسيخ حُكم العسكر ومنحه الشرعية الدولية، فيما رجّح آخرون أن تكون الآلية غير مدركة إلى الآن تفاصيل الأزمة السودانية، وهو ما يجعلها تُقدِم على خطوات ارتجالية من هذا النوع.