تنتهي ولاية مجالس الإدارة المحلّية في سوريا قانونياً في شهر تشرين الأوّل المقبل، وفقاً للقانون الذي يمنحها ولاية انتخابية مدّتها 4 سنوات. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنه بخلاف دورة 2011، لن يتمّ التمديد لمجالس الإدارة هذه المرّة، بل إن التوجّه الحكومي هو نحو إجراء الانتخابات في موعدها، والمرسوم الرئاسي - الصادر قبل أيام - بتشكيل اللجنة القضائية العليا، يأتي في إطار التحضير لها. على أن هذه التحضيرات يُفترض، بحسب المعنيّين، أن تجري على أساس تحرير الانتخابات من القواعد السابقة، حتى تُفضي إلى نتائج مغايرة، وإلّا فإن العملية برمّتها ستظلّ تدور في الدائرة نفسها من العجز والفشل
في عام 2018، جرَت آخر انتخابات إدارة محلّية في سوريا، وفق القانون 107 الصادر عام 2011. حينذاك، وصفت وكالة «سانا» الرسمية القانون، عشيّة الاقتراع، بأنه «خطوة في تطبيق اللامركزية تمنح سلطات واسعة لمجالس الوحدات الإدارية». لكن لم يكد عام يمرّ على صدور نتائج تلك الانتخابات، حتى جاء القرار الحكومي (31 آب 2019) بحلّ مجلس مدينة اللاذقية، والذي كان نجح ضمن قائمة «الوحدة الوطنية» التي يتمّ تشكيلها عبر حزب «البعث». وبدا لافتاً أن قرار الحلّ لم يتضمّن الأسباب أو المبرّرات التي تقف خلفه، لتتوالى بعده قرارات الحلّ والتشكيل للمجالس وأعضائها المنتخبين في مختلف المناطق. ويعكس عدم استمرارية هذه المجالس، وحجم التغييرات غير الديموقراطية فيها، وجود خلل ما، إمّا في تركيبتها نفسها، أو في الحكومة والوزارة الوصيّة عليها.
وفي هذا السياق، يقول مصدر في وزارة الإدارة المحلّية في دمشق، لـ«الأخبار»، إن الوزارة كانت تتوقّع «أداءً أفضل من قِبَل هذه المجالس، ودوراً لها في التنمية والمصالحة»، لكنّها «فوجئت بفشل معظمها في تحقيق التحوّل المرجوّ نحو اللامركزية الإدارية». وكان هدف «التحوّل نحو اللامركزية» أحد الأهداف الرئيسة لمرحلة ما بعد الانتخابات التي حظيت بزخم إعلامي حكومي كبير، حيث أُعلن رسمياً عن وجود تَوجّه نحو تقليص المركزية الشديدة في سوريا، وتحقيق اللامركزية المنصوص عليها في نصّ المادة الثانية من قانون الإدارة المحلّية. ويضيف المصدر أن «معظم أعضاء المجالس المحلّية افتقدوا إلى الخبرة والمعرفة الكافية بمضمون القانون وأبعاده التنموية، وكذلك إلى التشاركية والانفتاح على المجتمعات المحلّية، ما يجعل الانتخابات القادمة تحدّياً كبيراً لناحية إيصال كوادر متمكّنة معرفياً، وقادرة على تحقيق التمثيل الأوسع لفئات المجتمع في المناطق المختلفة من سوريا، بما فيها تلك الخارجة من الصراع أخيراً». ويؤكد أن «وزارة الإدارة المحلّية تُجري مراجعة للتجربة السابقة، لتلافي الأخطاء وسدّ الثغرات خلال المرحلة القادمة».

نقاط الضعف
تُعدّ الآلية التي يتمّ اختيار المرشّحين على أساسها، ليكونوا ضمن قائمة «الوحدة الوطنية» التي غالباً ما تضْمن النجاح لجميع أعضائها في انتخابات المجالس المحلّية، إحدى أبرز نقاط الضعف في هذه العملية. فالأشخاص الذين يتمّ منحهم الثقة، ليسوا بالضرورة مؤهّلين لها، والدليل على ذلك مجلس مدينة اللاذقية - مثلاً -، والذي تمّ تغييره ثلاث مرّات ضمن ولاية انتخابية واحدة، ما يعني أن الثقة وُضعت في غير محلّها، ومن ثمّ جرى سحبها ومنحها لآخر اختير بالآلية نفسها التي أتت بالأول. ومن هنا، تَبرز أهمّية تحرير الانتخابات من القواعد السابقة التي لم تُفضِ إلى نتائج إيجابية، خصوصاً أن «الدورة السابقة جاءت في لحظة شعور بالانتصار وقرب نهاية الحرب، وهو ما تَبيّن لاحقاً أنه سوء تقدير لتعقيدات الواقع في البلاد، ما أدّى إلى إغفال التفكير الجدّي بتحويل هذه الانتخابات إلى فرصة لضمان شعور المجتمعات بأنها ممثّلة في السلطة من خلال المجالس المحلّية، وهو ما يجب عدم إغفاله في الدورة القادمة»، وفق ما يشدّد عليه أحد رؤساء المجالس البلدية في غوطة دمشق. كما أن منح الأحزاب السياسية الناشئة مساحة واسعة للتحرّك بحماسة، من شأنه بالتأكيد أن يُغني التجربة ويحفّز المنافسة، بعدما كانت مشاركتها في انتخابات 2018 خجولة، واقتصرت على بضعة مرشّحين.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر في وزارة الإدارة المحلّية، فالأكيد أن «البلاد ذاهبة نحو الانتخابات المحلّية في موعدها، وأنه لن يكون هناك تأجيل ما لم يحدث طارئ يفوق القدرة، وهذا أمر مستبعد»، ما يجعل الاستعداد لهذا الاستحقاق ضرورياً منذ اليوم، لتلافي أخطاء الماضي، ولا سيما أنه «تمّ تحديد معظم الثغرات من قِبَل المكاتب المعنيّة في الوزارة». والاستعداد للانتخابات يتطلّب بداية حملة تحفيز على الترشّح، بالشراكة مع المجتمع المدني والمجالس المحلّية القائمة حالياً، في سبيل خلْق قواعد جديدة بالكامل، لا قوائم معلّبة ومعدّة مسبقاً، إذا ما أُريد لهذه الدورة أن تشكّل بداية فعلية لنهاية عهد المركزية الإدارية الشديدة.