أثبتت مواجهات الأحد الماضي تقدُّم الشعب الفلسطيني وشبابه على كلّ الفصائل
في خضمّ ذلك، بدا صمت حركة «حماس» غريباً؛ إذ اكتفت بإطلاق مسيرات وفعاليات في عدد من محافظات غزة، ودعوات عامة عبر تصريحات قادة سياسيين وناطقين باسم الحركة للرباط والمواجهة على امتداد فلسطين وخاصة في القدس، بعكس مراحل سابقة قريبة كانت فيها الحركة تُوجّه دعوات ميدانية محصورة في كلّ منطقة من الضفة. ويفسّر مراقبون هذا التراجع باعتبارات عدّة، أبرزها: الضربات الاعتقالية المتتالية والملاحقة المستمرّة لـ«الحمساويين» في الضفة وحتى القدس، إضافة إلى تغييب عشرات القيادات المحلّية من الحركة في السجون الإسرائيلية. ففي رام الله مثلاً، غاب حسين أبو كويك، حسن يوسف، وجمال الطويل الذين يُعدّون «دينامو حماس» هناك، إضافة إلى غيرهم في المناطق الأخرى في الضفة. وفي القدس، استبق العدو «مسيرة الأعلام» بشنّ حملة واسعة من الاعتقالات والاستدعاءات للتحقيق وقرارات الإبعاد، شملت مناصري «حماس» وغيرها. مع هذا، يلاحَظ تصاعد عمليات الدفاع عن الفلسطينيين في وجه اعتداءات المستوطنين بشكل فردي داخل البلدة القديمة في القدس، حيث باتت المقاومة بغاز الفلفل أسلوباً مجدياً ومستخدماً بكثرة أخيراً.
أمّا فصائل «منظمة التحرير»، باستثناء «فتح»، فقد بدت وكأنها «صامتة صمت القبور»، ولم تطلق بمعظمها دعوات إلى التصدّي والمواجهة، بما فيها تلك الفصائل الصغيرة الممثَّلة في المنظمة، بينما نشطت «فتح» في الفعاليات الجماهيرية داخل عدد من المدن والمحافظات والأرياف، وتَركّز نشاطها في نابلس ورام الله تحديداً. والظاهر أن الحركة كانت تحاول، من خلال تجييش الجماهير، ردم الفجوة بينها وبين الفلسطينيين، مستندة إلى الفراغ الكبير الذي تركته «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية» وبقيّة الفصائل، من دون أن تعترضها في ذلك السلطة الفلسطينية التي تريد تحصيل مكاسب في ظلّ تراجُع شعبيّتها بشكل كبير، فضلاً عن كوْن المسيرات والمواجهات المدعوّ إليها مصنّفة «سلمية وشعبية». على أن المشاركة الخجولة نسبياً في تلك الفعاليات أظهرت عدم تفضيل الشباب الفلسطيني لهذا النوع من المقاومة، ورغبته في الالتحام على نقاط التماس مع جيش العدو والمستوطنين.
وأيّاً يكن، فقد أثبتت مواجهات الأحد الماضي تقدُّم الشعب الفلسطيني وشبابه على كلّ الفصائل، وهذا ما بات «عرفاً معتاداً» أخيراً في الضفة والقدس، حيث أثبت جيل الشباب الجديد قدرته على تنظيم نفسه عفوياً من دون انتظار دعوة من أحد. وبذا، تكون الفصائل أمام تحدّي إجراء مراجعة سريعة، لكن معمّقة، لتداعيات «مسيرة الأعلام» على الضفة، بهدف استخلاص الدروس، وربّما التركيز على دور الشباب هناك، في ظلّ عدم وجود قيادة جامعة لإدارة المواجهات.