الحسكة | تؤشّر التحرّكات الروسية الميدانية على خطوط التماس في الشمال والشرق السوريَين، إلى رفض موسكو أيّ مسعى لتغيير الوضع الميداني هناك. فبعد استعراض عسكري برّي وجوّي لافت، في المنطقة الممتدّة من القامشلي، مروراً بعامودا والدرباسية، وصولاً إلى أطراف رأس العين في ريف الحسكة، أعاد الروس الكرّة في ريف حلب الشمالي، مع تنفيذ غارات تحذيرية فوق أراضٍ زراعية في بلدة مارع الخاضعة لسيطرة المسلّحين. كما استغلت موسكو التصعيد التركي والمخاوف الكردية - السورية، للدفع بتعزيزات عسكرية ضمّت مروحيات وطائرات حربية وآليات ومعدّات وأسلحة إلى مطار القامشلي، لإثبات وجودها في المنطقة، وتوسيع حضورها العسكري على حدود «الناتو» (أي تركيا)، كردٍّ على محاولة الأخير التوسّع في أوكرانيا على الحدود مع روسيا. وتزامن التحرّك الروسي مع رسائل أميركية تحذيرية من مغبّة انفجار المخيمات والسجون في حال نفّذ الأتراك تهديداتهم، وهو ما ركّز عليه القادة الأكراد في تصريحاتهم، كما كان متوقّعاً، في محاولة لاستخدام هاتين الورقتين للضغط على واشنطن و»المجتمع الدولي»، وحملهما على الوقوف بوجه أنقرة، ومنعها من تنفيذ أجندتها.في المقابل، وعلى الرغم من الحزم التركي - إعلامياً على الأقلّ - في استكمال مشروع «المنطقة الآمنة»، سرّبت عدد من المواقع المقرّبة من فصائل «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا، معلومات عن صدور تعليمات بتأجيل العملية العسكرية التركية إلى «أجل غير مسمّى». ونقلت هذه المواقع عن مصدر مطلع في «الجيش الوطني»، «إبلاغ الجانب التركي قادة الفصائل بقرار تأجيل العملية التي كانت مقرّرة في شمال سوريا إلى أجل لم يحدّد بعد، وذلك خلال الاجتماع الذي عُقد في منطقة حور كلس على الحدود بين البلدين». ورأى المصدر أن «تأجيل العملية أو عدم البدء فيها حتى اللحظة عائد إلى ضغط أميركي وروسي على تركيا»، مضيفاً أن ذلك يأتي «لإجبار تركيا على التنازل عن مطالب محدّدة أو عن مناطق سورية خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة مقابل السماح لها بالبدء بعمليتها المحتملة». وأشار المصدر إلى أن «تأجيل العملية جاء فجأة بعد تحديد مسارها ومراحلها، علماً أنه كان من المقرّر أن تربط في مرحلتها الأولى منطقة درع الفرات بمنطقة نبع السلام»، على أن «تتوجّه في المرحلة الثانية ضدّ المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في قبتان الجبل وعينجارة والفوج 46 في ريف حلب الغربي».
كانت أنقرة منذ البداية تدرك استحالة تنفيذ العملية وجاءت تصريحاتها في نطاق الضغط السياسي


وبالفعل، أكّدت مصادر أمنية، لـ«الأخبار»، أن «الفصائل المسلحة عملت خلال الأيام الماضية، على جمع معلومات عسكرية حول نقاط انتشار الجيش السوري والقوّات الحليفة في قرى وبلدات ريفَي حلب وإدلب الواقعين تحت سيطرة الحكومة السورية». وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى أن الأتراك «يعملون على استمالة أكبر عدد ممكن من الفصائل، عبر التسويق لكون العملية التركية المفترضة ستصل حتى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، وهو أمر لا وجود له على أرض الواقع». من جهتها، تأخذ «قسد» التهديدات التركية على محمل الجدّ، وتستنفر قواتها على امتداد الشريط الحدودي. كما تلعب في اتجاهَين: الأول فتح قنوات اتصال مع كلّ من روسيا والولايات المتحدة لمنع هذا الهجوم، والثاني إصدار مواقف رسمية تدعي أن تركيا أخذت ضوءاً أخضر لشنّ العملية، بهدف الضغط على موسكو وواشنطن، وجرّهما إلى مزيد من الحزم مع أنقرة. ويؤكد ذلك، حديث الناطق باسم «وحدات حماية الشعب» الكردية، نوري المحمود، الذي قال إنه «على ما يبدو فقد تلقّت الدولة التركية الضوء الأخضر بخصوص الهجمات»، مبيناً أن «المناطق الكردية في شمال وشرق سوريا، هي الهدف الأول للمحتلّين الآن، ولكن سيتبعها لاحقاً حلب والموصل وكركوك». وهدّد المحمود بأن «أي حرب تندلع لن تكون كحرب عفرين ورأس العين، بل ستظهر قسد في وجه الاحتلال التركي، أسلوباً وإرادةً وإصراراً مختلفاً».