بغداد | سعى «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، في ضوء نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة التي حقّق فيها مكاسب واضحة على حساب غريمه التقليدي «الاتحاد الوطني الكردستاني»، إلى ضرب مواقع الاتحاد في الدولة العراقية، ولا سيّما موقع رئاسة الجمهورية، الذي حاول الحزب إحداث تغيير في آلية اختياره، من خلال رفض ترشيح الرئيس الحالي، برهم صالح، لولاية ثانية. بهذا المعنى، تمثّل زيارة بارزاني إلى السليمانية، على الأقلّ، إعادة فتح لباب النقاش الذي كان قد أُغلق بعد ترشيح «الديموقراطي» القيادي فيه، ريبر أحمد، للمنصب، ضمن اتفاق مع الشريكَين الآخرين في التحالف الثلاثي، «التيار الصدري» و«تحالف السيادة»، يقضي بتقاسم السلطة بين الشركاء الثلاثة. غير أنه ثبت للأخيرين أن هذا المشروع يقترب من كونه مستحيلاً، بالذات بسبب فشلهم في تحقيق النصاب اللازم لانتخاب رئيس الجمهورية، وهو الخطوة الأولى الضرورية لإطلاق عجلة العملية السياسية في العراق، باعتبار أن الرئيس هو مَن يكلّف مرشحاً من الكتلة الأكبر في مجلس النواب لتشكيل الحكومة الجديدة، فضلاً عن إدراكهم أن موازين القوى على الأرض وفي الإقليم لا تسمح لهم بذلك.قد لا تُنتج هذه الزيارة وحدها حلّاً للأزمة العراقية، أو حتى حلّاً لكلّ المشكلات العالقة بين «اليكتي» (الاتحاد) و«البارتي» (الحزب) داخل إقليم كردستان، وهي ملفّات كثيرة تتعلّق خصوصاً بتقاسم السلطة والثروات الطبيعية في الإقليم، ولا سيّما النفط والغاز اللذين يجري التصرّف بهما خلافاً للقانون العراقي، إلّا أنها ستخلق دينامية جديدة لمقاربة الخلافات المستحكمة بين كلّ القوى السياسية العراقية على قاعدة الشراكة، وليس على قاعدة الاستئثار بالحكم وإقصاء الطرف الآخر، كما كانت الحال حتى الآن، نتيجة تمسّك التحالف الثلاثي بتشكيل ما يسمّيه «حكومة غالبية وطنية». كما أنها قد تفتح الباب أمام تشكيل حكومة قد لا تشمل الجميع، ولكنها لا تقصي أحداً، بمعنى أن تشمل جميع الراغبين، ومن يريد أن يكون خارجها فله ذلك.
برزت مؤشّرات إلى إمكانية توافق الكرد على مرشّح واحد لرئاسة الجمهورية


وفي هذا السياق، يلفت القيادي في «الديموقراطي»، وفاء محمد كريم، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «زيارة بارزاني إلى السليمانية لم تكن زيارة من الحزب للكتل السياسية الأخرى، بل كانت زيارة لرئاسة الإقليم المكوَّنة من الرئيس ونائب الرئيس الذي ينتمي إلى الاتحاد، ونائب آخر من حركة التغيير، وكان هدفها الأساسي هو كسر الجمود السياسي المتواصل منذ ثلاثة أشهر ونصف الشهر، خاصة بين اليكتي والبارتي، حيث ستبدأ حوارات بينهما بعد الزيارة على نقاط كثيرة وحاسمة، وليس فقط على مرشح رئاسة الجمهورية. فهناك تحدّيات عسكرية وقانونية واقتصادية وحتى قضائية للإقليم». ويَعتبر كريم أن «توحيد الصفّ الكردي في هذا الوقت مهمّ جداً، وبالتأكيد ستكون هناك إيجابيات لهذه الزيارة على المشهد السياسي العراقي، ولكنها لن تكون حاسمة في حلّ جميع الخلافات، وخاصة للمكوّن الشيعي، لأن الحلّ الحاسم لكسر الانسداد السياسي نهائياً يكون في البيت الشيعي وليس البيت الكردي».
من جهته، يصف القيادي في «الاتحاد»، أحمد الهركي، في حديث إلى «الأخبار»، زيارة بارزاني بأنها «مهمّة لأنها تأتي بعد أشهر من القطيعة بين الحزبَين الرئيسَين الكرديَين، وتناولت العديد من الملفّات، ومنها انتخابات إقليم كردستان والرواتب والثروات الطبيعية واللامركزية في المحافظات، إضافة إلى الملفّ الأهمّ المتمثّل في رئاسة الجمهورية بسبب تداخله مع جزئيّة اختيار رئيس الوزراء». ويعتقد الهركي أن «أيّ انفراجة، ولو أتت من البيت الكردي، ستكون لها آثار إيجابية لعلاج حالة الانسداد السياسي العراقي، عبر خلق أجواء إيجابية ستولّد زخماً بالنسبة للإخوة في الإطار التنسيقي والتيار الصدري»، مضيفاً أن «كلّ المؤشّرات تفيد بأنه سيحدث توافق بين الكرد على تسمية شخصية لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي سيُسهم بدوره في إيجاد حلّ للأزمة السياسية المستمرّة منذ تشرين الأول الماضي».
ويأتي تراجع «الديموقراطي» بعد خطوة مماثلة لرئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، الممثّل الأوّل لـ«المكوّن السنّي» حالياً، والذي زار طهران أخيراً، ليظلّ الإصرار على عدم البحث في حكومة الشراكة مقتصراً على «التيار الصدري» من بين أطراف التحالف الثلاثي.