القاهرة | قبل 19 عاماً، قدّم الممثّل الكوميدي، هاني رمزي، فيلم «عايز حقي» الذي تناول فكرة مُلكيّة المصريين للمنشآت والشركات العامّة. سعى بطل الفيلم لتحقيق حلمه في الحصول على حقّه في هذه المنشآت، ومن ثمّ التصرّف به عبر بيعه لأحد المستثمرين، قبل أن يتراجع في اللحظات الأخيرة لعدم رغبته في بيع أصول الدولة لأجانب معادين في إشارة إلى إسرائيل. اليوم، تَحضر هذه القصّة إلى الأذهان في ظلّ سعي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي للخروج من الأزمة الاقتصادية عبر «وثيقة سياسة ملكية الدولة للأصول»، والتي تستهدف جنْي 40 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة. منذ بناء الدولة المصرية الحديثة على يد محمد علي، لم تَقُم الدولة بعرض هذا العدد من الأصول للبيع دفعة واحدة في فترة زمنية وجيزة. وعلى رغم اختلاف الدور الذي لعبته في الاقتصاد باختلاف الحكومات، إلّا أنها اعتمدت بشكل دائم على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن، وهو ما يجري تهشيمه اليوم. وبما يتوافق مع توجيهات «صندوق النقد الدولي» للحصول على قرض جديد استثنائي، وفي ظلّ عدم توافر العملات الأجنبية، سيبدأ الخروج التدريجي للحكومة من جميع القطاعات تقريباً، باستثناء قطاعات خدمية محدودة للغاية لن تشهد توسّعاً مستقبلياً يتناسب مع الزيادة السكانية، في خطوة هدفها تقليص موازنة الدولة، وتحويلها بالكامل لتسديد ديون الاقتراض في السنوات السابقة، والحفاظ على معدّلات التنمية الرقمية، بغضّ النظر عن زيادة نسب الفقر.
راجعت جهات سيادية وثيقة الحكومة من دون أن يكون هناك نقاش حول القطاعات التي سيجري بيعها


كذلك، تحدّد الوثيقة الحكومية الأنشطة التي سيواصل الجيش تواجده فيها، باعتباره المُنافس الرئيس للقطاع الخاص والمستفيد من إعفاءات واستثناءات مالية تجعل أيّ محاولة لمزاحمته غير ذات جدوى. ومن هنا، قرّرت الحكومة أن تكون واضحة أمام المستثمرين بتحديد الأصول التي ستقوم ببيعها، والمجالات التي لا تعتزم التواجد فيها أملاً في جذب استثمارات خليجية بشكل خاص وأجنبية بشكل عام، مع وضع جدول زمني يتضمّن توقيت الخروج أو تخفيض نسبة المشاركة لصالح القطاع الخاص، أو زيادتها، علماً أن الوثيقة التي أعدّتها الحكومة، وراجعتها جهات سيادية، لم تُعرض على النواب، الذين اطّلعوا على مسوّدتها بعد تسريبها إلى وسائل الإعلام.
وفي وقت يُسارع فيه النظام إلى الإعلان عن بيع مزيد من الشركات الناجحة لضمان توفير 18 مليار دولار لسدّ عجز الموازنة والقروض قبل نهاية العام المالي المقبل في حزيران 2023 - وهي أموال غالبيّتها إماراتية وسعودية -، سيكون للصندوق السيادي الدور الأكبر في تنفيذ هذه السياسة، من خلال مشروعات «تُعظّم العائد للأجيال المقبلة، وتُحقّق البُعد التنموي وفقاً لأهداف التنمية المستدامة وخطّة مصر 2030»، وفق الوثيقة. وبينما يُحيط الغموض بالعديد من القطاعات الرئيسة والفرعية وآلية الخروج منها خلال السنوات القادمة، تُدافع الحكومة بأنها تهدف إلى تحسين إدارة أصول الدولة وتنظيم مشاركتها للقطاع الخاص، لكن ما يحدث عملياً هو نقل جزء من المُلكية إلى الأخير بأسعار اليوم، ومن دون النظر إلى حقوق الأجيال المقبلة، خصوصاً أن الدولة ستتخلّى عن مشروعات عديدة بنسبة 100%، في ما يشبه ما قام به نظام حسني مبارك من خصخصة في بداية الألفية.