صنعاء | بعد فشل الحكومة الموالية لـ«التحالف» في إدارة وظائف البنك المركزي على مدى ستّ سنوات، ورفض الجانب السعودي طلب «المجلس الرئاسي» إعادة عائدات مبيعات النفط الخام اليمني من البنك الأهلي السعودي إلى بنك عدن، تصاعدت التحذيرات المحلّية من أزمة تمويل جديدة قد توقف وارادات اليمن من الغذاء خلال الفترة المقبلة. ودعت «مجموعة شركات هائل سعيد أنعم»، التي تُعدّ أكبر مستورد للقمح في اليمن، الأمم المتحدة، إلى اتّخاذ تدابير استثنائية للحفاظ على إمدادات القمح باعتباره غذاءً أساسياً يومياً للملايين من اليمنيين، منبّهة في بيان إلى أن المخزون الاستراتيجي من هذه المادّة يتضاءل، ويبنئ بكارثة إنسانية خلال الأشهر القادمة إذا لم يحصل المستوردون على التمويل الكافي لتأمين احتياجات السوق المحلية.وتزامن هذا البيان التحذيري الذي دقّ ناقوس الخطر، مع تسلُّم الحكومة الموالية لـ«التحالف» آخر دفعة من الوديعة السعودية التي قُدّمت مطلع عام 2018، واستُخدمت لتمويل احتياجات البلاد من الغذاء. وجاء ذلك خلال توقيع محافظ البنك المركزي التابع لعدن، اتفاقية مع مساعد وزارة المالية السعودي عبد العزيز الرشيد، الثلاثاء في مدينة الرياض، قضت بنقل آخر دفعة من الوديعة البالغة 174 مليون دولار إلى خزائن البنك، فيما لم يتمّ الاتفاق على تخصيصها لاستيراد الغذاء، وخاصة القمح في ظلّ الأزمة العالمية الناتجة من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وقيام عدد من الدول المصدّرة، كالهند، بحظر تصدير هذه المادّة الاستراتيجية. ويرى خبراء اقتصاديون في صنعاء أن تلك الأزمة ستترك آثاراً بالغة السلبية على اليمنيين، الذين يعانون من تراجع معدّلات الدخل جرّاء العدوان والحصار، وتوقّف صرف رواتب موظفي الدولة منذ ستّ سنوات، وارتفاع أسعار المشتقّات النفطية، وهو ما انعكس بمجمله على معدّلات الإنتاج المحلّي من الحبوب، والتي تراجعت إلى ما يقلّ عن 200 ألف طنّ سنوياً، بينما احتياجات اليمن تتجاوز أربعة ملايين طنّ.
إزاء ذلك، اقترحت «مجموعة أنعم»، التي تستورد 51% من احتياجات اليمن من القمح والدقيق، إنشاء صندوق خاص لتمويل واردات القمح، على غرار إعلان السعودية عقب الانقلاب على عبد ربه منصور هادي تخصيص 600 مليون دولار لما يسمّى «صندوق دعم استيراد المشتقات النفطية» مطلع نيسان الماضي. واعتبرت أن هذه الخطوة من شأنها إيقاف أيّ كارثة إنسانية محتملة، وتمكين مستوردي القمح من الوصول سريعاً إلى التمويل. كما اقترحت على مؤسّسات التمويل الدولية الإسهام في تمديد شروط الدفع لمستوردي الأغذية اليمنيين، في تعاملاتهم مع المورّدين الدوليين، لمدّة 60 يوماً، للمساعدة في تأمين وتنفيذ العقود التجارية. وطالبت بإعطاء مستوردي القمح اليمنيين أولوية الوصول إلى إمدادات القمح في الأسواق الدولية، لضمان حصول المجتمعات الأكثر عرضة لخطر المجاعة أو الجوع الشديد على ما يكفي من المواد الغذائية.
تحذيرات القطاع الخاص من مخاطر أزمة التمويل قوبلت بالتجاهل من قِبَل الحكومة الموالية لـ«التحالف»


على أن تلك المناشدات قوبلت بالتجاهل من قِبَل الحكومة الموالية لـ«التحالف»، والتي اكتفت بردّ غير مباشر عبر ناشطين مقرّبين منها، وصفوا ما جاء في البيان الصادر عن المجموعة التجارية بأنه محاولة جديدة لابتزاز الحكومة، بهدف إشراك القطاع الخاص في لجان استيعاب التعهّدات السعودية الإماراتية التي أُعلنت صبيحة انقلاب السابع من نيسان الفائت. إلّا أن مراقبين اعتبروا بيان «أنعم» بمثابة اختبار لتلك الحكومة التي تسيطر على كلّ مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة، وتُعدّ المسؤول الأول عن إيرادات النفط الخام اليمني، والتي بلغت العام الماضي أكثر من 1.4 مليار دولار، فضلاً عن تمويلات أخرى تحصل عليها تكفي لتغطية واردات البلاد من القمح وصرف رواتب موظفي الدولة كافة. كما أن صرخة المجموعة تعكس وجود أزمة ثقة بين أكبر مجموعة تجارية يمنية، والحكومة الموالية لـ«التحالف»، على عكس العلاقة القائمة بين القطاع الخاص وحكومة صنعاء.
وعلى رغم تلك الصورة القاتمة، أفاد مصدر في حكومة «الإنقاذ الوطني» في صنعاء، «الأخبار»، بأن تواصل دخول شحنات القمح إلى ميناء الحديدة أدّى إلى ارتفاع المخزون الاستراتيجي إلى كمّية تكفي لأكثر من ستة أشهر. وفي الاتّجاه نفسه، أكدت البيانات الصادرة عن «مؤسّسة البحر الأحمر» في الحديدة أن الوضع التمويني من القمح والدقيق والحبوب الأخرى مستقرّ وآمن، فيما تحدّث فريق الأمم المتحدة المعنيّ بمنح السفن القادمة إلى ميناء الحديدة تصاريح دخول، عن ارتفاع شحنات الغذاء التي وصلت الميناء خلال الشهر الأول من الهدنة، بنسبة 40% مقارنة بالأشهر الماضية. ويأتي هذا بالتزامن مع حصاد صنعاء عشرة محاصيل من القمح اليمني في محافظة الجوف، في ظلّ توجُّه «حكومة الإنقاذ» إلى زراعة مساحات واسعة من الأراضي بالقمح في محافظات ذمار والجوف والحديدة، وذلك في إطار خطّة حكومية تهدف إلى تحقيق اكتفاء ذاتي من الحبوب على عدة مراحل.