بغداد | على رغم أن مرض الحمّى النزفية الذي يُعرف أيضاً باسم «حمّى الكونغو»، هو مرض مرعب، لأن المصابين في المراحل المتقدّمة منه ينزفون حتى الموت، من العيون والآذان والأنوف، إلّا أن انتشاره في العراق حتى الآن لم يصل إلى حدّ تسويغ حالة رعب وذعر بين المواطنين، وإن كان أجبرهم على اتّخاذ جملة من الاحتياطات على المستوى المنزلي، مثل طهو لحم المواشي جيداً وتعقيم أدوات طبخها، كما أرغم حكومتهم التي استفاقت متأخّرة، على اتّخاذ إجراءات مثل رشّ المواشي بالمبيدات الحشرية للقضاء على حشرة القرادة التي تُعتبر، إلى جانب الملامسة المباشرة للسوائل المصابة، أسرع طريقة لنشر الفيروس. لكنّ المرض القاتل الذي حصد حتى الآن 12 ضحية، و55 مصاباً، يحتاج إلى معالجة حالة الفوضى التي تسود سوق المواشي وأماكن وطرق الذبح، باعتبار أن «ارتفاع عدد الحالات سببه عدم وجود رقابة صحّية حقيقية على المسالخ ومحالّ الجزارة»، وفق ما يبيّن لـ«الأخبار» عميد «المعهد الأميركي للدراسات البيولوجية والصحّية وأبحاث علوم النانو تكنولوجي»، الدكتور حيدر معتز محي، مشدّداً على أنه «يجب توفير رقابة صحّية جادّة وفاعلة على هذه الأماكن، ويجب أن تكون المسالخ ومحالّ القصابة مرخّصة بترخيص صحّي وطبّي وأن لا تكون في العراء».ويتركّز المرض في المناطق الريفية - حيث تجري تربية الأبقار والماعز والأغنام والجواميس، وجميعها حيوانات وسيطة ناقلة للفيروس -، ولا سيما في ذي قار جنوبي البلاد، والتي سجّلت وحدها 29 إصابة بينها ستّ وفيات، كما وصل انتشاره إلى كردستان العراق. ويوضح محي أن الحمّى النزفية «مرض فيروسي مُعدٍ، واضح من اسمه أنه يشتمل على حمّى ونزف أو تدفّق الدم من جدران الأوعية الدموية. من أعراضه الشعور بالوهن العام، بالإضافة إلى آلام في العضلات والعظام والبطن. ويمكن أن يصاحبه غثيان وتقيّؤ وإسهال، وفي الحالات الشديدة يكون النزف شديداً في الأعضاء الداخلية أو العينين أو فتحتَي الأنف والفم، أو تظهر بعض البقع الحمراء تحت الجلد، وفي الحالات المتقدّمة يمكن أن يحصل اختلال في الجهاز الكُلوي والعصبي، وصولاً إلى الوفاة». ويشير إلى أن «فترة الحضانة تبدأ من ثلاثة أيام إلى أسبوعين، وتوجد طرق كثيرة لانتقال العدوى، منها حشرة القرادة المتواجدة على جلود الحيوانات المصابة بهذا المرض، أو عند التعرّض لسوائل أو أنسجة الحيوانات الموبوءة، أو استخدام أدوات الأشخاص المنتقلة إليهم العدوى من الحيوانات المصابة خلال وبعد الذبح مباشرة». لكن في المقابل، يؤكد محي أن «هناك طرقاً للوقاية والحؤول دون تفشّي هذا المرض، منها شراء اللحم من مصادر موثوقة، وطهوه بصورة جيدة جدّاً، واستخدام سكاكين وألواح معقّمة، وغسل الأيدي بعد تقطيع اللحوم، وارتداء القفازات أثناء التقطيع».
يتركّز المرض في المناطق الريفية حيث تجري تربية الأبقار والماعز والأغنام والجواميس


من جهتها، تفيد الدكتورة ربى فلاح، عضو الفريق الإعلامي لوزارة الصحة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المرض مستوطن في العراق منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن كانت تُسجَّل أعداد محدودة به سنوياً، إلّا أن الإصابات ازدادت كثيراً هذه السنة، ما سبّب حالة رعب في أنحاء البلاد». وتؤكد فلاح أنه «من الممكن إذا جرى تشخيص الأعراض مبكراً ومباشرة العلاج بسرعة، أن تكون نسب الشفاء عالية. وغالبية الحالات المصابة تماثلت للشفاء، ما عدا المتهاونين، ومن تأخّروا في الحصول على العلاج. فالمرض يُعدّ خطيراً، ولكن تمكن السيطرة عليه من خلال الوقاية، على الرغم من أنه لا يوجد علاج محدَّد للفيروس لا لدى الإنسان ولا لدى الحيوان».
على أيّ حال، ستكون الأيام القليلة المقبلة حاسمة لمعرفة ما إذا كانت السلطات العراقية ستتمكّن من محاصرة هذا المرض والحؤول دون تفشّيه، أم هو سيتغلّب على جهود وزارات الصحّة والبيئة والزراعة، خاصة أن السيطرة عليه تتطلّب تنظيم المجازر والمسالخ المنتشرة في العراق بشكل كبير خارج الرقابة الصحّية، ومتابعتها ومحاسبة العاملين فيها. وحتى حصول ذلك، سيظلّ القلق والخوف سيّدَي الموقف، بعد أشهر قليلة على بدء الخروج من أزمة وباء «كورونا»، الذي رافقت التصدّي العراقي له، أوجهُ قصور كثيرة تسبّبت بوفيات كان من الممكن تلافيها.