انعقد مؤتمر بروكسل هذا العام، على وقع الخلافات الدولية الحادّة بسبب الحرب الأوكرانية، والتي أدّت إلى الإحجام عن دعوة روسيا إليه، وتقدّم أوكرانيا لتكون على رأس الأولويات، ما يهدّد بنسيان الأزمة السورية، على رغم محاولة الاتحاد الأوروبي إبقاءها في الواجهة. ويقول القائم بأعمال الاتحاد الأوروبي في سوريا، دان ستوينسكو، في حديث إلى «الأخبار»، «(إننا) لا تريد للأزمة السورية أن تُنسى، ونسعى للحفاظ على اهتمام وتركيز دولي قوي على سوريا، وتأمين الدعم المالي لتلبية احتياجات السوريين في الداخل، وفي دول الجوار المضيفة لهم». إلّا أن هذه المحاولات يبدو أنها لم تؤتِ أُكُلاً؛ إذ سجّل المؤتمر الذي استضافته بروكسل في 9 و10 أيار، ضعفاً في التمثيل السياسي، بخلاف السنوات السابقة، وغابت عن رئاسته الأمم المتحدة بسبب مقاطعة روسيا، فيما لم يحضره معظم وزراء خارجية الدول التي شكّلت قوامه الرئيس سابقاً. فالكويت مثلاً، التي عُقد فيها أوّل مؤتمر عام 2013، حضر عنها ممثّل عن وزير الخارجية من دون أن يعلن عن أيّ تبرّعات لسوريا، في حين جاءت مساعدات الدول العربية الأخرى شحيحة جداً، فلم يتجاوز ما قدّمته قطر 50 مليون دولار، بينما تبرّعت اليابان بـ90 مليون دولار، أمّا ألمانيا فقد كانت أبرز المانحين بمليار و400 مليون يورو، تليها أميركا بـ800 مليون دولار، وهو أكبر رقم سُجّل منذ انطلاق المؤتمر في الكويت قبل سنوات. وتجدر الإشارة إلى أنه في النسخة السابقة، تعهّد المانحون بتقديم 4.4 مليار دولار خلال عام 2021، ومليارَين خلال عام 2022، بينما كانت الأمم المتحدة تطالب بتقديم 10 مليارات دولار، وهو ما يعكس حجم العجز في تلبية الاحتياجات، وكذلك تراجع الاهتمام بالقضية السورية.
أشاد المبعوث الأممي إلى سوريا بالعفو الرئاسي السوري الصادر في 30 نيسان الماضي

لكن الإعلان عن التبرّعات لم يخلُ من رسائل سياسية عبّر عنها بشكل رئيس ممثّلا أميركا وألمانيا، من خلال ربط إعادة الإعمار ورفع العقوبات وإحياء العلاقات مع دمشق بالعملية السياسية، وهو ما انتقدته دمشق أمس، حيث رأت الخارجية السورية أن «المؤتمر لا يتّفق مع مبادئ الأمم المتحدة الناظمة للعمل الإنساني، لأنه يتمّ من دون مشاركة الدولة المعنيّة الأساسية (سوريا)»، وبمعزل عن «متطلّبات وأهداف العمل الإنساني»، معتبرة أن «مساعدة الشعب السوري تتطلّب تغيير المقاربة الخاطئة لهذه الدول». وتخلّل المؤتمرَ يومٌ باسم «يوم الحوار السوري»، وآخر باسم «يوم الاجتماع الوزاري»، وطُرحت في الأخير مسائل عدّة، ربّما كان أبرزها المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، والتي يبدو أن الخلاف مع روسيا يثير مخاوف لدى الغرب بشأن القدرة على تمديدها عبر الأمم المتحدة في تموز المقبل. وحاولت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال كلمتها بالمناسبة، توجيه رسائل غير مباشرة إلى الروس على مستويَين: الأوّل، إظهار الاهتمام بزيارة معبر باب الهوى الذي تمرّ منه المساعدات؛ والثاني، الالتزام بمشاريع «التعافي المبكر» التي كانت مطلباً روسياً سابقاً، وكذلك العمل على حلّ مشكلة انعدام الأمن الغذائي. لكن الرسائل الغربية قاطعتها رسالة المبعوث الأممي إلى سوريا ،غير بيدرسون، الذي تحدّث عن المأساة الإنسانية، قبل أن ينتقل إلى الإشادة بالعفو الرئاسي السوري الصادر في 30 نيسان الماضي، قائلاً إن «كثيرين يرون فيه تطوّراً مهماً وإيجابياً، وعدد كبير من السوريين يمكنهم الاستفادة منه»، معلِناً أنه سيزور دمشق قريباً، ويأمل في أن «يحصل على معلومات أوسع للبناء على هذا العفو».
من جهة أخرى، غاب عن فعاليات المؤتمر ممثّلو المجتمع المدني في الداخل السوري، واقتصر حضورهم على منظّمات معظمها يحظى بدعم مباشر من الاتحاد الأوروبي، وهي المشكلة ذاتها التي برزت في عام 2019، ودفعت ممثّلين عن المجتمع المدني إلى الانسحاب، احتجاجاً على عدم إتاحة الفرصة بشكل متوازن لكلّ الآراء والأفكار. وعلى الرغم من ذلك، اجتمع فاعلون مدنيون عبر الإنترنت، وصاغوا سلسلة مطالب في مجالات الاقتصاد والسياسة والشباب وغيرها، ومن أبرزها تأثير العقوبات في الوضعَين المعيشي والإنساني، وإنشاء آليات آمنة لوصول التمويل والسماح بالمشاريع المستدامة، وتعزيز برامج سبل العيش، وعدم ربط القضايا الإنسانية بالسياسية، إضافة إلى الاعتراف بدور الشباب في مستقبل سوريا، وتأسيس مجلس استشاري شبابي برعاية مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا. كما كان من بين المطالب التي قُدّمت إلى المؤتمر، إشراك المجتمع المدني في مبادرة «خطوة مقابل خطوة» بشكل يراعي مصالح السوريين، ودعم البرامج التنموية، ومعالجة مسألة المساعدات العابرة للحدود والملفّات الإنسانية وقضايا المعتقلين والمخطوفين والمفقودين.