لم تكن الحفاوة الكبيرة التي استُقبل بها الرئيس السوري، بشار الأسد، في إيران، خلال زيارة أجراها الأحد، خارجة عن المألوف بين البلدَين الذين يتمتّعان بعلاقات تاريخية وثيقة، بيد أنها جاءت هذه المرّة مركّزة ومعلَنة بشكل واضح، في إشارة اعتبرتها مصادر سوريّة انعكاساً لـ«رغبة إيرانية في جعل الزيارة تاريخية»، خصوصاً لِما تضمّنته من لقاءات مكثّفة، بعضها كان مفتوحاً، والآخر مغلَقاً، على رغم قصر مدّتها التي لم تتجاوز ثلاث ساعات. الزيارة التي تأتي بعد نحو ثلاث سنوات على آخر رحلة أجراها الأسد إلى إيران، استُهلّت باجتماع موسّع مع المرشد علي خامنئي، بحضور الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي يلتقي نظيره السوري لأوّل مرّة منذ تسلّمه رئاسة إيران، وعدد من المسؤولين الإيرانيين، إضافة إلى مسؤولين سوريين بينهم وزير الخارجية فيصل المقداد. وذكرت وسائل إعلام رسمية سورية وإيرانية أن اللقاء تناول قضايا عديدة تتعلّق بالمنطقة بشكل عام، والعلاقات السورية الإيرانية وسبل تعزيزها بشكل خاص. كذلك، عقد الأسد اجتماعاً مغلقاً مع خامنئي بحضور رئيسي، استمرّ حوالى الساعة، قبل أن يُجري لقاءَين آخرين مع نظيره الإيراني، الأول سياسي، والثاني ذو طابع اقتصادي وتجاري، وفق ما ذكرت مصادر رسمية سورية.وفي وقت حضرت فيه القضية الفلسطينية، والتهديدات الأميركية والإسرائيلية وسبل مقاومتها، تركّزت اللقاءات في جانبها الأكبر حول الأوضاع الاقتصادية وسبل تعزيزها، حيث جرى، وفق مصادر سورية وإيرانية، افتتاح مرحلة جديدة من الخطّ الائتماني الإيراني، الذي تمّ تجميده قبل نحو ثلاث سنوات، لمدّ سوريا بالمشتقّات النفطية، التي تعهّدت إيران باستمرارها، في وقت تعاني فيه حليفتها من نقص في الواردات النفطية، في ظلّ العقوبات الأميركية والأوروبية عليها من جهة، وخروج أبرز المناطق النفطية عن سيطرتها، حيث تسيطر عليها «قسد» تحت إشراف الولايات المتحدة، التي تتّهمها دمشق بشكل مستمرّ بسرقة النفط وتهريبه إلى العراق، وإلى مواقع سيطرة الفصائل التابعة لتركيا في الشمال السوري. وبينما لم تتسرّب المزيد من المعلومات حول ما جرى نقاشه خلال الاجتماع المغلق، بدا لافتاً الحديث الموسّع عن الأوضاع الميدانية في سوريا، وتأكيد خامنئي ثقته بتحرير ما تبقّى من أراضٍ خارجة عن سيطرة الحكومة السورية تحت قيادة الأسد، وفق بيان نشرته الرئاسة السورية.
وتأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات الاقتصادية السورية - الإيرانية نموّاً ملحوظاً، حيث سجّل التبادل التجاري بين البلدَين ارتفاعاً بنسبة 90% في الأشهر التسعة الأخيرة من عام 2021، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، وفق تصريحات لرئيس غرفة التجارة الإيرانية - السورية المشتركة، كيوان كاشفي، أدلى بها في شهر شباط الماضي، حيث قدّر حجم التبادل في الفترة المذكورة بمبلغ 190 مليون دولار، معلِناً أن البلدَين يخطّطان لأن يصل إلى 500 مليون دولار في العام الحالي. وزار مسؤولون حكوميون إيرانيون سوريا خلال الشهور القليلة الماضية، في سياق الجهود المبذولة لرفع مستوى العلاقات الاقتصادية، آخرهم وفد إيراني برئاسة وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، رستم قاسمي، التقى الرئيس السوري وعدداً من وزراء الحكومة السورية، في زيارة ناقشت التعاون في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والمصرفية.
أكد خامنئي ثقته بتحرير ما تبقّى من أراضٍ خارجة عن سيطرة الحكومة السورية تحت قيادة الأسد


وتتعرّض العلاقات الاقتصادية السورية - الإيرانية لضغوط مستمرّة، أبرزها المحاولات «الإسرائيلية» لعرقلتها، عبر استهداف شحنات تجارية، كما في العدوان الذي شنّته إسرائيل على مرفأ اللاذقية قبل نحو ستّة أشهر، والذي طاول بضائع إيرانية، إضافة إلى الضغوطات الأميركية ومحاولات التضييق على الطرق البرّية، في وقت بدأت فيه إيران بالشراكة مع العراق تنفيذ مشروع ربط سككي بين البلدين، على أن يتمّ ربطه مستقبلاً بسوريا، الأمر الذي من شأنه إيصال البضائع الإيرانية إلى البحر المتوسّط عبر السواحل السورية، فضلاً عن سهولة نقلها إلى المناطق الصناعية السورية، بما يكفل تحقيق ربط صناعي، وضمان تشكيل حلقة إمداد بين كلّ من إيران والعراق وسوريا. وتعليقاً على الحدث، رأى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في تغريدة، أنّ الزيارة «فتحت أفقاً جديداً في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين»، مؤكداً التصميم على الارتقاء بالعلاقات إلى «المستوى الذي يليق بشعبيَهما»، لافتاً إلى «دور التعاون بين إيران وسوريا في هزيمة المؤامرة الإرهابية المفروضة على سوريا».
على الصعيد السياسي، تأتي هذه الزيارة في وقت يشهد فيه العالم، ودول المنطقة، إعادة تشكيل للعلاقات والتحالفات، على وقْع سلسلة من المتغيّرات، أبرزها الحرب الروسية في أوكرانيا، والمفاوضات الجارية لإعادة تفعيل الاتفاق النووي الإيراني، إضافة إلى التطوّرات السياسية المتعلّقة بسوريا، وما سجّلته الفترة الماضية من انفتاح على دمشق من قِبَل دول عدّة، أبرزها الإمارات التي تتصدّر المشهد الخليجي بهذا الخصوص في الوقت الحالي. وبعد الأسد، من المقرَّر أن يُجري أمير قطر، تميم بن حمد، زيارة إلى طهران. ومن المعروف أن الدوحة تتّخذ موقفاً مناهضاً لدمشق منذ اندلاع الحرب قبل نحو 10 سنوات، ارتفعت حدّته مع بدء الانفتاح العربي على سوريا، بيد أن هذه الزيارة تأتي على ما يبدو في سياق المباحثات المتعلّقة بالملفّ النووي الإيراني، والذي تلعب فيه قطر، التي تتمتّع بعلاقات وطيدة مع إيران، دوراً وسيطاً.