القاهرة | تسعى الحكومة المصرية إلى تمرير مشروع موازنة السنة المالية الجديدة (تبدأ مطلع تموز المقبل)، والذي يتضمّن إجراءات من شأنها أن تفاقم معاناة الفقراء، كونها تضع مزيداً من الضغوط والأعباء المالية على هؤلاء. ويجيء ذلك في ظلّ استمرار الدولة في خفض أوجه الدعم المنفَق على الفئات الأكثر احتياجاً، وهو ما يترافق مع ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار. وفيما تواصل الحكومة سياسة التخلّي عن المواطنين، حتى في أحلك الظروف الاقتصادية: تراجع القدرة الشرائية للمصريين، والحدّ الخدمات الرئيسة، ومواصلة النظام نهجه في فرض الضرائب والرسوم.وبخلاف الاتفاق المرتقب مع "صندوق النقد الدولي" للحصول على قرض لا تقلّ قيمته عن خمسة مليارات دولار، فإن خطط الاستدانة من الخارج في الموازنة الجديدة، تبلغ نحو ثمانية مليارات دولار، في زيادة متوقّعة عن الاقتراض في العام المالي الحالي بنسبة تصل إلى 87%، علماً أن الاقتراضات المرتقبة مرتبطة بطرح سندات بعملات مختلفة، بالإضافة إلى إصدار تمويل محلي عبر إصدار أدوات الدين، وسط توقّعات بوصول الدين الخارجي لمصر إلى أكثر من 160 مليار دولار، بعدما سجّل 38.8 مليار دولار قبل 10 سنوات فقط.
ما سبق، يؤكد أن الحكومة تعتزم العمل وفق موازنتين، مع إرجاء حسْم أمر العديد من البنود، ولا سيما رفع الفائدة ومعدّلاتها، ورصد تأثير كل 1% زيادة بنسبة الفائدة على ارتفاع العجز الكلّي في الموازنة بواقع 28 مليار جنيه، فيما ستكون سندات "باندا" باليوان، هي أحدث مصادر التمويل الخارجي في الموازنة الجديدة. وتحافظ الحكومة في الموازنة الجديدة على صفر دعم لقطاع الكهرباء، مع تعديل في أسعارها ابتداءً من العام المالي الجديد، والذي سيشمل كلّ الشرائح المختلفة بنسب مختلفة ووفق القيم المعلنة سابقاً، في خطوة تأتي استكمالاً لسياسة تحميل كل فرد مسؤولية استخدامه من الكهرباء بالسعر العالمي بحلول عام 2025، وفق الخطة الحكومية المعلَنة منذ عام 2016، ومن دون أيّ مراعاة لمتغيّرات التضخّم وتراجع قيمة الأجور نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية أمام الدولار.
تخطّط الحكومة لاستبعاد نحو 200 ألف مواطن مشمولين بالدعم الحكومي في العام المالي المقبل


وتعكس أرقام الموازنة رغبة الحكومة في استمرار سياسة الاحتواء الشعبي على خلفية ارتفاع الأسعار عالمياً، وهو ما ظهر واضحاً من خلال قرارها منْح زيادة قدرها 10 مليارات جنيه في موازنة العام الجديد، لدعم مشتقات البترول، ما يؤكد التوجّه نحو استمرار وضْع زيادة تدريجية على الأسعار بتحريكها 25 قرشاً فقط كل ثلاثة أشهر، بهدف ضمان الحدّ من ارتفاع معدّلات التضخّم، لتكون الزيادة التي يلتهم جزء رئيس منها فارق العملة نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، هي الأولى من نوعها منذ خمس سنوات.
ووفق موازنة الحكومة التي لا تزال تحتاج إلى موافقة البرلمان عليها، فإن الزيادات الموجّهة لدعم السلع التموينية انخفضت رقميّاً بنسبة تقترب من 20%، مع وجود مخطّط لاستبعاد نحو 200 ألف مواطن من المسجَّلين في لوائح دعم السلع التموينية في العام المالي المقبل، وهو رقم سيستند إلى استبعاد مالكي السيارات الحديثة في السنوات الخمس الأخيرة، بالإضافة إلى إغلاق الباب أمام تسجيل مواطنين جدد في منظومة الدعم، وصولاً إلى التشديد في تجديد البطاقات التالفة بما يوفّر للدولة ملايين الجنيهات شهرياً.
وأصبحت موازنة مصر رهْن القروض المتزايدة؛ فنسبة تسديد أصول القروض والديون وصلت إلى أكثر من 965 مليار جنيه، فيما بلغت الفوائد 690 مليار جنيه، لتصبح هذه الأرقام هي الأعلى على الإطلاق في تاريخ الموازنات المصرية، والتي ستزيد العام المقبل مع زيادة الاقتراض المقرَّرة لتسديد عجز الموازنة، التي يُسدَّد 55% منها تقريباً للقروض وفوائدها.