دمشق | ارتفع منسوب الضجّة التي أحدثها مرسوم العفو الأخير الصادر في سوريا، بعد الحالة الشعبية التي شهدتها العاصمة دمشق، في ظلّ تجمّع أهالي السجناء تحت «جسر الرئيس» بانتظار استقبال ذويهم، الذين كان من المفترض أن يُفرَج عنهم. ولكن، بعد وقوفٍ دام لساعات طويلة، عاد الأهالي إلى منازلهم من دون السجناء، بعدما علموا بأنّ إجراءات إطلاق السراح لا تتمّ بشكل جماعي، كما روّج البعض. في البداية، كانت أحلام المتجمّعين تحت «جسر الرئيس» أكبر من المخاوف، فقد وصل البعض إلى حدّ انتظار خروج الذين ارتكبوا جرائم لا صلة لها بما يشمله العفو. فقد قضى نصّ القانون بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين، عدا تلك التي أدّت إلى موت إنسان. إلّا أنّ السيّدة السبعينية أمّ محمود كانت مقتنعة بأنّ ابنها سيشمله العفو، "فهو لم يكن يوماً مع الإرهابيين الذين خرّبوا وقتلوا".
وبعدما كان الجميع ينتظر معلومات مؤكّدة بشأن من يشمله العفو، أكّدت وزارة العدل، في وقت متأخّر، عدم وجود أيّ قوائم رسمية لأسماء المشمولين. وأشارت إلى أنّ إطلاق السراح سيجري بشكل فردي ومتتابع، بعد إتمام الإجراءات القانونية. كذلك، أشار مصدر في وزارة الداخلية إلى عدم تخصيص أيّ مكانٍ لتجميع المفرج عنهم، موضحاً أنّ "كل ما يُنشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من مواعيد وأماكن، لا أساس له من الصحّة".
وبعد مطالبات شعبية ورسمية بضرورة إصدار قوائم بأسماء المشمولين بالعفو، كي لا يتعرّض الأهالي لاستغلالٍ نفسي جديد، صرّحت رئيسة محكمة الإرهاب، القاضية زاهرة بشماني، بأنّه "لا يحقّ لأيّ محكمة إصدار قوائم بأسماء المشمولين بالمرسوم، لأنّ ذلك مخالف للقانون". وفي هذا الإطار، أوضح المحامي عارف الشعال، في حديث إلى "الأخبار"، أنّ قانون العفو "لا يحتاج إلى تعليمات تنفيذية أبداً، كونه قانوناً قضائياً ينفّذه قضاة حكم وقضاة نيابة عامة، ولا يستقيم من الناحية الدستورية إصدار تعليمات من السلطة التنفيذية للسلطة القضائية المناط بها وحدها تنفيذ القانون".
أشاد عددٌ من المعارضين في الخارج بالمرسوم وتمنّوا أن يطبّق من غير منغّصات


ورداً على سؤال بشأن كيفية التأكّد من أسماء المسجونين أو الموقوفين الذين يشملهم العفو، أشار الشعال إلى أنّه "بالنسبة إلى الذين يحاكمون أمام محكمة الإرهاب بإمكان ذويهم مراجعة المحكمة، أما بالنسبة إلى الموقوفين أمام المحكمة المدنية والأفرع الأمنية لا يمكنهم ذلك". من جانب آخر، رأى الشعال أنّ مرسوم العفو غير مسبوق، كونه جاء مطلقاً بالنسبة إلى الجرائم التي شملها. وقال إنّه "لم يشترط كالقوانين السابقة تسليم المطلوب نفسه خلال مدة محدّدة، ولم يشترط تسديد الغرامات أو التعويضات المحكوم بها للدولة، ولم يشترط صفح الفريق المتضرّر"، مضيفاً إنّ "هذه المسائل جميعها غير مسبوقة، وتجعل مساحة الاستفادة من العفو واسعة جدّاً". وبتقدير الشعال، فإنّ توقيت إصدار القانون "جاء على خلفية الفيديو الذي نشرته صحيفة غارديان البريطانية، واللغط الذي أثاره".
في هذه الأثناء، لم يقتصر الحديث عن "فتح صفحة جديدة" بين السوريين، ممّن كانوا على طرفَي الصراع، على مؤيّدي الدولة فقط، فقد أشاد عددٌ من المعارضين في الخارج بالمرسوم، وتمنّوا أن يطبّق من غير منغّصات، بحسب تعبير أحدهم. وفي هذا السياق، يشير الشعال إلى أنّ ما ينقص المرسوم "توسيعه ليشمل الجرائم الواقعة على أمن الدولة، المنصوص عليها في قانون العقوبات العام، بالشروط نفسها"، ليصبح شاملاً لكلّ المعارضين المطلوبين في الخارج.
رغم ذلك، يبقى أنّ المشهد لم يخلُ من المؤمنين بعبارة "لا تصالح". هؤلاء يرون أنّ الجسر بينهم وبين الإرهابيين، حتّى ممّن "لم تتلطّخ أيديهم بالدماء"، انقطع ولا سُبل للعودة، مهما كانت النيات والدوافع، وأنّ دماء شهدائهم أغلى من كلّ ما جاء ليخدم التسويات والمصالحات.